همِّي"، كما لم يكنِ الحالُ في قولكُ: "رأيتُ أسداً"، كالحالِ في "رأيتُ رجلاً كالأسدِ". ومَنْ الذي يَخْفى عليه مكانُ العُلُوِّ وموضِعُ المزية وصورةُ الفُرقان بينَ قولِه تعالى {فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ}، وبينَ أنْ يُقال: "فما رَبحوا في تجارتِهم؟ ".
٣٥٠ - وإنْ أردتَ أَنْ تزدادَ للأمرِ تَبيُّناً، فانظر إلى بيت الفرزدق:
وإلى رَونِقه ومائِه، وإلى ما عليه مِنَ الطَّلاوة. ثم ارْجِع إلى الذي هو الحقيقةُ وقُل: "نحمي إذا اخْتُرِطَ السيوفُ نساءَنا بضربٍ تطيرُ له السواعدُ أرعلِ"، ثم اسْبرْ حالَكَ؟ هل ترَى مما كنتَ تراه شيئاً؟
٣٥١ - وهذا الضربُ منَ المجاز على حدَّته كنزٌ من كنوزِ البلاغةِ، ومادَّةُ الشاعرِ المُفْلِق والكاتبِ البليغِ في الإِبداع والإحسانِ، والاتِّساع في طرقِ البيان، وأنْ يجيءَ بالكلام مَطبوعاً مصنوعاً، وأن يضَعه بَعيدَ المرامِ، قريباً منَ الأفهامِ. ولا يَغُرَّنَّكَ مِنْ أمرِه أنَّك تَرى الرجُلَ يقولُ: "أتى بيَ الشوقُ إلى لقائكَ، وسارَ بيَ الحنينُ إلى رؤيتك، وأقدَمني بلدَك حقٌّ لي على إنسان"، وأشباهُ ذلك مما تَجدُه لِسَعَته وشُهْرته يَجْري مَجْرى الحقيقةِ التي لا يُشْكِلُ أمرُها، فليس هو كذلك أبداً، بل يَدِقُّ ويَلْطُفُ حتى يَمْتِنعَ مثْلُه إلاَّ على الشاعرِ المُفْلِقِ، والكاتبِ البليغِ، وحتى يأتيَك بالبِدعةِ لم تَعرفْها، والنادرةِ تأنَقُ لها.
١ البيت في ديوانه، و "اخترط السيف"، و "أرعل"، يريد ضرب أهوج لا يبالي ما أصاب، ومثله "أرعن".