للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٣٨٠ - فقد أراك في هذا كلِّه أنَّ الخبرَ محذوف، وقد نرى حُسْنَ الكلامِ وصحَّتَه مع حذفِه وترْكِ النطقِ به. ثم إنَّك إِنْ عمَدْتَ إلى "إِنَّ" فأسقطتَها، وجدْتَ الذي كان حسُنَ من حذفِ الخبرِ، لا يَحْسُنُ أو لا يَسوغُ. فلو قلت: "مال"، و "عدد" و "محل" و "مرتحل" و "غيرها إبلاً وشاءً" لم يكنْ شيئاً. وذلك أنَّ "إِنَّ" كانت السَّببَ في أنْ حَسُنَ حذفُ الذي حُذِفَ من الخَبر، وأنها حاضِنتُهُ، والمترجِمُ عنه، والمتكفل بشأنه.

بيان في شأن "إن"، و"الفاء" التي يحتاج إليها إذا أسقطت "إن":

٣٨١ - واعلمْ أنَّ الذي قلنا في "إنَّ" من أنَّها تدخلُ على الجُملة١، من شأنها إذا هي أُسقطتْ منها أن يُحتاجَ فيها إلى "الفاءِ"٢ لا يَطِّردُ في كلِّ شيءٍ وكلِّ موضعٍ، بل يكونُ في موضعٍ دونَ موضعٍ، وفي حالٍ دونَ حالٍ، فإِنك قد تَراها قد دَخَلتْ على الجملةِ ليستْ هي مما يَقْتضي "الفاءَ"، وذلك فيما لا يُحصى كقولهِ تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ، فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ}، وذاكَ أنَّ قبله {إِنَّ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُون} [الدخان: ٥٠ - ٥٢]. ومعلومٌ أنَّك لو قلتَ: "إنَّ هذا ما كنتُم به تمترون، فالمتقون فيج ناب وعيونٍ"، لم يكنْ كلاماً وكذلك قولُه: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ}، لأنَّك لو قلتَ: {لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لا يَسْمَعُونَ} [الأنبياءِ١٠٠ - ١٠١] فالذين سبقت لهم من الحسنى، لم تَجِدْ لإِدخالِك "الفاء" فيه وجهاً وكذا قولُه: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الحج: ٨٧]، {الَّذِينَ آمَنُوا}


١ في "ج": "تدخل على المبتدإ"، والسياق يأباه.
٢ السياق: و "اعلم أن الذي قلنا في "إن" لا يطرد".