للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من ذم الشعر لأنه موزون مقفى:

٢٠ - وإن زعم أنه دم الشعرَ من حيثُ هو موزونٌ مقفَّى١، حتى كأنَّ الوزنَ عيْبٌ٢، وحتى كأنَّ الكلامُ إذا نُظمَ نَظْمَ الشعرِ، اتَّضَعَ في نفسِه، وتَغيَّرتْ حالُه، فقد أبعدَ، وقال قَولاً لا يُعرفُ له مَعنى، وخالفَ العلماءَ في قولِهم "إنما لشعر كلامٌ فحَسَنُه حَسَنٌ، وقبيحُه قبيح"، وقد رُوي ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعاً أيضاً٣.

فإنْ زعمَ أنه إنما كَرِهَ الوزنَ، لأنه سبب، لأن يتغنى في الشعر ويتلهى به، فإذا إذا كُنَّا لم نَدْعُه إلى الشعرِ من أجلِ ذلك، وإنما دَعوناه إلى اللفظ الجَزْل، والقولِ الفَصْل، والمنطقِ الحسَن، والكلام البيِّن، وإلى حسن التمثيل والاستعارة، وإلى التلويج والإِشارةِ، وإلى صَنعةٍ تَعْمَدُ إلى المَعنى الخسيسِ فشرفه، وإلى الضئيل فَتُفخِّمُه، وإلى النازل فترفَعُه، وإلى الخامل فَتُنوِّه به، وإلى العاطلِ فتُحَلِّيه٤، وإلى المُشكِل فَتُجَلِّيَهُ فلا مُتَعلَّقَ لهُ علينا بما ذَكَر، ولا ضررَ علينا فيما أَنْكَر، فليَقُلْ في الوزنِ ما شاء، وليَضَعْهُ حيث أراد، فليس بعنينا أمرهُ، ولا هو مُرادُنا من هذا الَّذي راجعنا القول فيه.

علة منعه صلى الله عليه وسلم من الشعر:

٢١ - وهذا هو الجوابُ لمتُعلِّقٍ إنْ تَعَلَّق بقولِهِ تعالى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَه} [سورة يس: ٦٩] وأرادَ أن يَجْعله حُجةً في المَنْع منَ الشعر، ومن


١ انظر الفقرة الماضية رقم: ٩.
٢ في المطبوعة: "كان الوزن عيبًا".
٣ روى الدارقطني في الأفراد عن عائشة، والبخاري في الأدب المفرد رقم: ٨٦٥، ٨٦٦ والطبراني في الأوسط، وابن الجوزي في الواهيات عن عبد الله بن عمر، والشافعي والبيهقي عن عروة مرسلًا: "الشعر كلام بمنزلة الكلام، فحسنه حسن الكلام، وقبيحه قبيح الكلام".
٤ "العاطل" من النساء التي لا حلى عليها.