والنكتةُ أنه لا شُبْهةَ في أنْ ليس ههنا جائيان، وأنه ليس إلا جاءٍ واحدٌ، وإنما الشبهةُ في أنَّ ذلك الجائي زيدٌ أم عمرو، فأنتَ تُحقِّقُ على المخاطَب بقولِك:"جاءني زيدٌ لا عمرو"، أنه "زيدٌ" وليس بعمروٍ.
ونكتةٌ أخرى: وهي أنك لا تقول: "جاءني زيدٌ لا عمرو"، حتى يكونَ قد بلغَ المخاطَبَ أنه كان مجيءٌ إليك من جاءٍ، إلاَّ أنه ظنَّ أنه كان مِنْ "عمروٍ"، فأعلَمْتَه أنه لم يكْن مِنْ "عمروٍ" ولكنْ من "زيد".
معاني "لا" العاطفة، قائمة في الكلام "بإنما":
٣٩٧ - وإذ عرفت هذه المعاني في الكلام "بلا" العاطفةِ، فاعلمْ أنها بجُملتها قائمةٌ لك في الكلام "بإنما". فإذا قلتَ:"إنما جاءَني زيدٌ"، لم يكن عرضك أنْ تنفيَ أن يكونَ قد جاءَ مع "زيدٍ" غيرُه، ولكنْ أن تنفيَ أن يكونَ المجيءُ الذي قلتَ إنه كانَ منه، كان من "عمرو". وكذلك تكونُ الشبهةُ مرتفعةً في أنْ ليس ههنا جائيان، وأنْ ليسَ إلا جاءٍ واحدٌ، وإنما تكونُ الشبهةُ في أنَّ ذلك الجائي "زيدٌ". وكذلك لا تقول:"إنما جاءني زيدٌ"، حتى يكونَ قد بلَغَ المخاطَب أنْ قدْ جاءَك جاءٍ، ولكنَّه ظنَّ أنه "عمرُو" مثلاً، فأعلَمْتَه أنه "زيدٌ".
فإنْ قلتَ: فإنه قد يصحُّ أنْ تقولَ: "إنَما جاءَني مِنْ بين القومِ زيدٌ وحدَه، وإنما أتاني مِنْ جملتهم عمروٌ فقط"، فإنَّ ذلك شيءٌ كالتَكلُّفِ، والكلامُ هُوَ الأولُ، ثم الاعتبارُ به إذا أُطْلِقَ فَلَمْ يقيد "بوحده" وما في معناه. ومعلومٌ أنكَ إذا قلتَ:"إنتما جاءني زيد"، ولم نرد على ذلك، أنه لا يسبق إىل القلبِ مِن المعنى إلاَّ ما قدَّمْنا شرْحَه، مِنْ أنك أردْتَ النصَّ على "زَيْدٍ" أنه الجائي، وان