للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إِليه. ويقولُ في الثاني: إنَّا قد وضَعْنا الشيءَ في موضِعِه، وطلَبْنا الأمرَ من جهَتهِ، حينَ استعنَّا بك فيما عَرضَ من الحاجةِ١، وعوَّلْنا على فضْلِكَ، كما أَنَّ مَنْ عوَّل عَلَى الطبيبِ فيما يَعْرِضُ له من السُّقْم، كان قد أصاب التعويل مَوْضِعَه، وطلَبَ الشيءَ مِنْ معدنِه.

٤٢٤ - ثم إنَّ العجَبَ في أنَّ هذا التعريضَ الذي ذكرتُ لكَ، لا يَحصُلُ من دُونِ "إِنما". فلو قلتَ: "يتذكَّرُ أُولو الألباب"، لم يدل ما دَلَّ عليه في الآية، وإنْ كان الكلامُ لم يتغيرْ في نفسِه، وليس إلاَّ أنهن ليس فيه "إِنما"٢.

والسببُ في ذلك أنَّ هذا التعريضَ، إِنما وقعَ بأنْ كان مِنْ شأنِ "إِنَّما" أنْ تُضَمِّنَ الكلامَ معنى النفْي مِنْ بَعْد الإثباتِ، والتصريحِ بامتناعِ التذكُّر ممَّن لا يَعْقِل. وإِذا أُسِقطتْ من الكلامِ فقيلَ: "يتذكر أولوا الألباب"، كان مجرد


١ في "ج" و "س": "حتى استعنا".
٢ عند هذا الموضع في "ج"، حاشية بخط الكاتب، وهي بلا شك من كلام عبد القاهر، كما أسلفت في التعليق على رقم: ٤٠٤، فيما سلف. ونص الحاشية هو:
"إذا نلت": "العاقل يتذكر"، فأنت في ذكر من لا تنفى عنه العقل، ولا تمنعه أن يفعل ما يفعله العقلاء وإذا قلت: "إنما يتذكر العاقل"، فأنت في ذكر من تنفي عنه القعل، وتمنعه من أن يجيء منه ما يجيء من العقلاء.
ويبينه أنك إذا قلت: "الكريم يعفو"، فأنت في ذكر من تجعله أهلًا لأن يفعل ما يفعله الكريم وإذا قلت: "إنما يعفو الكريم"، فأنت في ذكر من تباعده من ذلك".