للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السامع، نفإذا رأي المعانيَ تقعُ في نفْسِه من بَعْد وقوعِ الألفاظِ في سَمْعِه. ظنَّ لذلك أنَّ المعانيَ تِبْعٌ للألفاظِ في ترتيبها. فإنَّ هذا الذي بيَّنَّاهُ يُريه فسادَ هذا الظنِّ. وذلك أنه لو كانتْ المعاني تكونُ تِبْعاً للألفاظ في ترتيبها، لكان مُحالاً أنْ تتغيَّر المعاني والألفاظُ بحالها لم تَزُلْ عن تَرْتيبها. فلمَّا رأينا المعانيَ قد جازَ فيها التغيُّر مِن غَيْر أنْ تتغيَّرَ الألفاظُ وتزولَ عن أماكِنِها، عَلِمْنا أنَّ الألفاظَ هي التابعةُ، والمعاني هي المتبوعة.

الإشكال في معرفتين، هما مبتدأ وخبر، وفصل الإشكال بالمعنى:

٤٤٧ - واعلمْ أنه ليس مِن كلام يعمدُ واضِعُه فيه إلى معرِفَتَيْنِ فيجعلُهما مبتدأً وخبراً، ثم يقدِّمُ الذي هو الخبرُ، إلاَّ أشكلَ الأمرُ عليكَ فيه، فلَمْ تَعْلَمْ أنَّ المقدَّمَ خبرٌ، حتى ترجِعَ إلى المعنى وتُحْسِن التدبُّرَ.

أنشدَ الشيخ أبو علي في "التذكرة"١:

نَمْ وإنْ لم أنَمْ كرايَ كَراكا٢

ثم قال: "ينبغي أن يكونَ "كرايَ" خبراً مقدَّماً، ويكونَ الأصلُ: "كراكَ كرايَ"، أي نَم، وإن لم أَنَمْ فنومُكَ نومي، كما تقول: "قُمْ، وإن


١ "أبو علي" هو الفارسي.
٢ في هامش المخطوطة هنا ما نصه:
"أوله:
شاهدى الدمع أن ذاك كذا كا
لأبي تمام الطائي".
وهي في ديوانه، وروايته"
شاهد منك أن ذاك كذا كذا