فإنْ قالوا: إنَّا لم نَأْبَ صِحّةَ هذا العِلم، ولم نُنكر مكانَ الحاجةِ إليه في معرفةِ كتابِ الله تعالى، وإنَّما أنكرْنا أشياءَ كَثَّرْتُمُوه بها، وفُضولَ قولٍ تكلَّفْتموها، ومسائلَ عويصةٌ تجشَّمْتُم الفِكْرَ فيها، ثم لم تَحْصلوا على شيء أكثر من أن تعربوا على السَّامعين، وتُعَايُوْا بها الحاضِرين.
قيلَ لهم: خَبِّرونا عَمَّا زَعْمتم أنَّه فُضُولُ قولٍ، وعَوِيصٌ لا يَعود بطائلٍ، ما هو؟ فإنْ بدأوا فذَكروا مسائلَ التَّصريفِ التي يَضَعُها النحويون للرياضةِ، ولِضَرْبٍ مِنْ تَمْكينِ المَقاييس في النفوسِ، كقولهم: كيف تَبْنِي مِنْ كذا كذا؟ وكقولهم: ما وَزْنُ كذا؟ وتَتَبُّعهم في ذلك الألفاظَ الوحشَّيةَ، كقولهم: ما وزن "عزويت"؟ وما "أَرْوَنَان"؟ وكقولهم في بابِ ما لا ينصرف: لو سمَّيْتَ رَجلاً بكذا، كيفَ يكونُ الحُكمُ؟ وأشباهُ ذلك، وقالوا: أَتَشُكُّون أنَّ ذلكَ لا يُجْدِي إلاَّ كَدَّ الفكرِ وإضاعةَ الوقتِ؟
قلنا لهمِ: أمَّا هذا الجنسُ، فلسنا نَعيبُكم إنْ لم تنظروا فيه ولم تُعنوا بهِ، وليس يهمُّنا أمرهُ، فقولوا فيه ما شئتُم، وضَعُوه حيثُ أَرَدْتُم. فإنْ تَرَكوا ذلك وتَجاوزوه إلى الكلام على أغراض واضع اللغة، على وَجْه الحكمةِ في الأوضاع، وتقريرِ المقاييسِ التي اطَّردَتْ عليها، وذكْرِ العِلل التي اقْتَضَتْ أن تَجريَ على ما أُجريت عليه، كالقولِ في المعتل، وفيما يلحق بالحروف الثّلاثةَ التي هيَ الواوُ والياءُ والألفُ مِن التغيير بالإِبدالِ والحَذْف والإِسكان١، أو ككَلامِنا مَثلاً على التَّثْنِية وجَمْع السَّلامة، لِمَ كان إعرابُهما على خلافِ إعراب الواحدِ، ولِمَ تَبعَ النصبُ فيهما الجَرَّ؟ وفي "النون" إنَّه عِوَضٌ عن الحركةِ