مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ} [النساء: ١٧١]. وإِذا كان الخطابُ للنصارى، كان تقديرُ الحكايةِ مُحالاً، فـ "ـلا تَقولوا" إذنْ في معنى: "لا تعْتَقِدوا"، وإِذا كانَ في معنى الاعتقادِ، لَزِمَ إذا قدَّرَ "ولا تقولوا آلهتُنا ثلاثةٌ"، ما قُلْنا إنَّه يَلْزمُ مِن إثباتِ الآلهةِ. وذلك لأن الاعتقادَ يَتعلَّق بالخبر لا بالمُخْبَرِ عَنْه. فإِذا قلتَ:"لا تعتقدْ أنَّ الأمراءَ ثلاثةٌ"، كنتَ نهَيْتَه عن أنْ يعتقدَ كونَ الأُمراءِ على هذه العِدَّة، لا عنْ أَنْ يَعْتَقِدَ أنَّ ههنا أُمراءَ. هذا ما لا يَشُكُّ فيه عاقلٌ. وإنَّما يكونُ النهْيُ عن ذلك إذا قلتَ:"لا تَعْتقِدْ أَنَّ ههنا أُمراءَ"، لأنَّك حينئذٍ تَصيرُ كأنَّك قلَْتَ: لا تعتقِدْ وجودَ أمراءَ.
هذا، ولو كان الخطابُ معَ المؤمنينَ، لكانَ تَقديرُ الحكايةِ لا يَصِحُّ أيضاً. ذلك لأنه لا يجوزُ أنْ يُقالَ:"إنَّ المؤمنينَ نهوا عن أن يحكموا عن النصارى مقالَتَهم، ويُخْبروا عنْهم بأنَّهم يقولونَ كَيْتَ وكيْتَ"، كيفَ؟ وقد قال اللهُ تعالى:{وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ}[التوبة: ٣٠] ومِنْ أينَ يَصِحُّ النهْيُ عَنْ حكايةِ قولِ المُبْطِل، وفي تَرْك حكايتهِ تركٌ له وكفره، وامتناعٌ من النعْي عليه، والإنكارِ لِقَوْلِه، والاحتجاجِ عليه، وإقامةِ الدليل على بُطْلانه، لأنه لا سبيلَ إلى شيءٍ من ذلك إلاَّ مِنْ بَعْدِ حكايةِ القولِ والإِفصاحِ به، فاعرِفْه.