للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم قال: "وإن كانوا إنما قَدْ روَوْا هذا الكلامَ لكي يَدلَّ على فصاحةٍ وبلاغةٍ؛ فقد باعدَه اللهُ من صفةِ البلاغة والفصاحة"١.

أصل فساد مقالة المعتزلة في ظنهم أن أوصاف "اللفظ" أوصاف له في نفسه:

٤٧٠ - واعلمْ أنك كلَّما نظرتَ وجدْتَ سببَ الفسادِ واحداً، وهو ظنُّهم الذي ظنُّوه في "اللفظِ"، وجعلهم الأوصاف التي تجري عليها كلَّها أوصافاً له في نفسِه، ومن حيثُ هو لفظٌ، وترْكُهم أن يُميِّزوا بينَ ما كان وصْفاً لهُ في نفسِه، وبيْنَ ما كانوا قد كسبوه إياه من أجْلِ أمرٍ عَرَضَ في معناه٢. ولمَّا كان هذا دأْبَهم، ثم رأَوْا الناسَ وأظهرُ شيءٍ عندَهم في معنى "الفصاحةِ"، تقويمُ الإِعرابِ، والتحفظُ منَ اللَّحْن، لم يَشُكُّوا أنه ينبغي أن يُعتَدَّ به في جملةِ المزايا التي يفاضَلُ بها بينَ كلامٍ وكلامٍ في الفصاحةِ، وذهبَ عنهم أنْ ليس هُو من "الفصاحةِ" التي يَعْنينا أمرُها في شيء، وأنَّ كلاَمنا في فصاحةٍ تجبُ للَّفظِ لا من أجْلِ شيءٍ يدْخُلُ في النطقِ؛ ولكنْ من أجْل لطائفَ تُدْرَكُ بالفَهم، وإنَّا نعْتبرُ في شأنِنا هذا فضيلةً تَجبُ لأَحَدِ الكلامَيْنِ على الآخَر، مِن بَعْد أن يكونا قَد برِئا من اللَّحْن، وسَلِمَا في ألفاظِهما من الخَطَأ.

٤٧١ - ومن العَجَب أنَّا إذا نظَرْنا في الإعرابِ، وجَدْنَا التفاضُل فيه مُحالاً؛ لأنه لا يُتَصَوَّرُ أن يكونَ للرَّفْع والنصْبِ في كلامٍ، مزيةٌ عليهما في كلامٍ آخَر؛ وإنما الذي يُتَصَوَّرُ أنْ يكون ههنا: كلامانِ قد وقعَ في إعرابهما خللٌ، ثم كان أحَدُهما أكْثَر صواباً من الآخر، وكلامانِ قد استمرَّ أحدُهما على.


١ هو في البيان ١: ٣٧٨، وفي نسخ الدلائل زيادة "وبلاغة"، وقوله: "والفصاحة"، زيادة ألحقتها من البيان.
٢ في المطبوعة وحدها: "أكسبوه إياه".