للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قولك: "جاءني رجل ظريف" و "مررت بزيدٍ الظريفِ"، هل ظَننتُم أنَّ وراءَ ذلك علمًا، وأن ههنا صِفةً تُخصِّص، وصفةً تُوضح وتُبين، وأن فائدةَ التخصيص غيرُ فائدةِ التَّوضيح، كما أن فائدةَ الشِّياع غيرُ فائّدةِ الإِبهام١، وأنَّ مِنَ الصفةِ صفة لا يكون يها تخصيص ولا توضيح، ولكن يوتي بها مؤكَّدةً كقولهم: "أَمسِ الدابرُ" وكقوله تعالى: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَة} [سورة الحاقة: ١٣]، وصفةً يُراد بها المدحُ والثناءُ٢، كالصفاتِ الجاريةِ على اسْم الله تعالى جَدَّه؟ وهل عَرَفتم الفَرْقَ بينَ الصفة والخبر، وبينَ كلِّ واحدٍ منهما وبينَ الحال، وهل عرَفْتم أَنَّ هذه الثلاثةَ تَتَّفْقُ في أنَّ كافَّتَها لثُبوتِ المعنى لِلشيء، ثم تَخْتلفٌ في كيفيّةِ ذلك الثبوتِ؟

وهكذا ينبغي أن تُعْرَض عليهم الأبوابُ كلُّها واحداً واحداً، ويُسْألوا عنها باباً باباً، ثم يُقال لهم٣: ليس إلاَّ أَحدَ أمرين.

إمَّا أن تَقْتحموا التي لا يَرْضاها العاقلُ، فتُنْكِروا أن يكونَ بكم حاجةٌ في كتاب الله تعالى، وفي خبير رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي معرفة الكلامِ جملةً، إلى شيءٍ من ذلك، وتَزْعموا أنكم إِذا عَرفْتُم مَثلاً أنَّ الفاعل رَفْعٌ، لم يَبْقَ عليكم في بابِ الفاعل شيءُ تحتاجون إلى مَعْرفته٤. وإِذا نظرتُم إلى قولنا: "زَيْدُ مُنْطلقٌ"، لم تُحْتاجوا مِنْ بَعده إلى شيءٍ تَعْلمونه في الابتداء والخبر، وحتى تَزْعموا مثَلاً أنكم لاَ تَحتاجون في أَنْ تَعرفوا وجه الرفع في {الصَّابِئُون} من سورة المائدة [سورة المائدة: ١٩] إلى ما قاله العلماءُ فيه، وإلى استشهادهم فيه بقول الشاعر٥:


١ "الشياع"، التفرق والانتشار حتى يكون لكل واحد منه نصيب.
٢ في هامش "ج" ما نصه: "اعطف على صفة في قوله: وأن من الصفة صفة".
٣ "لهم"، زيادة من "س".
٤ في المطبوعة: "ما تحتاجون".
٥ "فيه"، زيادة من "س".