معنى الوصْف بأنه فصيحٌ. وإِذا كانَ الأمرُ كذلك، فانظُرْ هل يَقَعُ في وهْم مُتوهِّم أنْ يكونَ رضيَ اللهُ عنه قد جعَلَها "عربيةً" مِنْ أجْل ألفاظِها؟ وإِذا نظرْتَ لم تشك في ذلك.
بيان آخر في "النظم" وتوخي معاني النحو:
٤٧٨ - واعلمْ أنكَ تَجِدُ هؤلاءِ الذين يَشكُّون فيما قلناه، تجري على ألسنتهم ألفاظٌ وعباراتٌ لا يَصِحُّ لها معنى سِوى توخِّي معاني النحو وأحكامِه فيما بَيْن معاني الكَلِم، ثم تَراهُمْ لا يَعْلَمون ذلك.
فمِن ذلك ما يقولُه الناسُ قاطبةً من أنَّ العاقلَ يُرتِّبُ في نفسِه ما يُريد أن يَتكلَّم به. وغذا رجَعْنا إِلى أنفُسِنا لم نَجِدْ لذلك معنىً سوى أنه يَقْصِدُ إِلى قولِكَ "ضَرَبَ" فيجعلُه خبراً عن "زيدٍ"، ويجعلُ "الضرْبَ" الذي أخْبَرَ بوقوعِه منه واقعاً على "عمروٍ" ويجعلُ "يومَ الجمعةِ" زمانَه الذي وقَعَ فيه، ويجعَلُ "التأديبَ" غرَضَه الذي فعَل "الضَرْبَ" من أجْله، فيقولُ:"ضَرَبَ زيدٌ عَمراً يومَ الجمعةِ تأديباً له". وهذا كما تَرى هُو تَوخِّي معاني النحو فيما بين معاني هذه الكَلِم.
ولو أنك فرضْتَ أنْ لا تتوخَّى في "ضرَب" أن تَجْعَلَه خبراً عن "زيدٍ" وفي "عمرو" أن تجعله مفعولاً به الضرب، وفي "يومِ الجمعة" أن تَجْعله زماناً لهذا الضرْب، وفي "التأديبِ"، أنْ تَجعله غَرَض زيدٍ من فعلٍ الضرب ما تصوِّرَ في عقلٍ، ولا وَقَع في وَهْم، أن تكونَ مرتِّباً لهذه الكَلِم، وإذْ قد عرفْتَ ذلك، فهو العِبْرةُ في الكلام كلِّه، فمَنْ ظَنَّ ظناً يؤدِّي إِلى خِلافِه، ظَنَّ ما يخرُج به عن المعقول.
ومِنْ ذلك إثباتُهم التعلُّقَ والاتِّصالَ فيما بينَ الكلم وصواحِبها تارة،