للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَخْرجَهُمُ الإعجابُ به إِلى الضَّحكِ والتعجُّبِ ممَّنْ يرى أن إلى الكلام عليه سبيلًا، وأنه يَسْتطيعَ أنْ يُقيمَ على بُطْلانِ ما قالوه دليلاً.

٤٩٧ - والجوابُ، وبالله التوفيق، أنْ يُقالَ للمحتجِّ بذلك: قولُك إِنه يَصِحُّ أنْ يُعبَّر عن المعنى الواحدِ بلفظَيْن، يَحْتمِلُ أمرَيْن:

أحدهما: أَن تُريدَ باللفظَيْن كَلِمتَيْنِ مَعْناهُما واحِدٌ في اللغة، مثل "الليث" و "الأسد"، ومثل "شحط" و "بعد"، وأشباهٍ ذلك ممَّا وُضِع اللفظان فيه لِمعْنى.

والثاني: أن تُريد كلامَيْن.

فإنْ أردْتَ الأَوَّلَ خرجْتَ من المسأَلة، لأنَّ كلامَنا نحْنُ في فصاحةٍ تَحْدُثُ مِن بَعْد التأليفِ، دونَ الفصاحة التي تُوصَفُ بها اللفظةُ مفردةً، ومن غير أن يُعْتَبر حالُها مع غيرها.

وإنْ أردْتَ الثاني، ولابد لك مِنْ أَنْ تُريده، فإنَّ ههنا أصْلاً، مَنْ عَرَفَهُ عَرَف سقوطَ هذا الاعتراض. وهو أنْ يَعْلَم أنَّ سبيلَ المعاني سَبيلُ أَشكالِ الحُليِّ، كالخاتَم والشَّنْفِ والسِّوار، فكما أَنَّ مِنْ شأْنِ هذه الأشكالِ أن يكونَ الواحدُ منها غُفْلاً ساذجاً، لم يعمل صانعُه فيه شيئًا أكثر من أن أتى بما يَقْعُ عليه اسْمُ الخاتَمِ إِن كان خاتماً١، والشَّنْفِ إِن كان شَنْفاً، وأن يكونَ مصنوعاً بديعاً قد أَغْرَب صانعُه فيه. كذلك سبيلُ المعاني، أن تَرى الواحدَ منها غُفْلاً ساذجاً عامياً موجوداً في كلام الناس كُلِّهمِ، ثم تَراه نفْسَه وقد عَمَد إِليه البَصيرُ بشأنِ البلاغةِ وإِحداثِ الصُّوَرِ في المعاني، فيَصْنَعُ فيه ما يصنع الصنع الحاذق،


١ في المطبوعة وحدها: "أن يأتي بما يقع ... ".