للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كما عَظُمَ ثَمَّ، وهذا صحيحٌ كما قلْتم، ولكنْ بقيَ أنْ تُعْلِمونا مكانَ المزيَّة في الكلام، وتَصفوها لنا، وتَذْكُروها ذِكْراً كما يُنَصُّ الشيءُ ويُعَيَّنُ، ويُكْشَفُ عن وجههِ ويُبَيَّنُ، ولا يكفي أن تقولوا: "إنَّه خُصوصيةٌ في كيفيَّة النَّظْم، وطريقةٌ مَخْصوصةٌ في نَسَق الكَلِم بَعْضِها على بَعض"، حتى تَصِفوا تلكَ الخصوصيةَ وتُبَيِّنوها، وتذكروها لها أمثلةً، وتقولوا: "مثْلَ كيتٍ وكَيْتٍ"، كما يذكر مَنْ تَسْتوصِفُه عَمَلَ الدَّيباج المنقَّش ما تَعْلَم به وجْهَ دِقَّةِ الصنعة، أَوْ يَعْمَلهُ بينَ يديكَ، حتى تَرى عِياناً كيف تَذْهبُ تلك الخيوطُ وتَجيءُ؟ وماذا يَذْهَبُ منها طُولاً وماذا يَذهب منها عَرْضاً؟ وبِم يَبْدَأ وبم يُثَنِّي وبِمَ يُثَلِّثُ؟ ١ وتُبْصِرُ منَ الحِسَابِ الدَّقيق ومِنْ عجيب تصرف اليد، ما تعلم معه مكانَ الحِذْقِ ومَوضِعَ الأُستاذيَّة٢.

ولو كانَ قولُ القائل لك في تَفْسير الفصاحةِ: "إنها خصوصيةٌ في نَظْم الكَلِم وضَمِّ بَعْضِها إلى بعضٍ على طريقٍ مخصوصةٍ، أو على وُجوهٍ تَظْهَرُ بها الفائدةُ، أو ما أشبَهَ ذلكَ منَ القولِ المُجْمَل، كافياً في مَعْرفتها، ومُغْنياً في العِلْم بها، لكفى مِثْلُه في معرِفة الصِّناعات كلِّها. فكان يَكْفي في معرفةِ نَسْج الدِّيباجِ الكثيرِ التَّصاويرِ أَنْ تَعْلم أنه تَرتيبٌ للغَزْل على وَجْهٍ مخصوصٍ، وضَمٌّ لطاقاتِ الأبريسَم بعضِها إلى بعضٍ على طُرُقٍ شَتّى. وذلك ما لا يقوله عاقل.


١ "وتبصر" معطوف على قوله قبل: "حتى نرى عيانًا".
٢ في المطبوعة: "ما تعلم منه".