للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الوجْه الذي به كان القرآنُ معجِزاً، والوصفَ الذي به بانَ مِن كلام المخلوقينَ، مِنْ غيرِ أنْ يكونوا قد قالوا فيه قولاً يَشْفي من شَاكٍّ غليلاً، ويكونُ علَى عِلْمٍ دليلاً، وإلى معرفة ما قَصدوا إليه سبيلاً١.

الردة على المعتزلة في مسألة "اللفظ":

٥٣٧ - واعلمْ أنَّه إذا نظرَ العاقِلُ إلى هذه الأدلة فرأى ظهروها، استبعدَ أنْ يكونَ قد ظنَّ ظانٌّ في "الفصاحةِ" أنَّها مِن صفةِ اللفظِ صريحاً، ولعمري إنه لكذلك ينبغي، إلا أنا إنما تنظر إلى جِدِّهم وتَشدُّدِهم وبتِّهمُ الحُكْمَ "بأنَّ المعانيَ لا تتزايدُ، وإنما تتزايدُ الألفاظُ"٢، فلئِنْ كانوا قد قالوا "الألفاظُ" وهم لا يُريدونها أنفُسَها، وإنما يريدون لطائفَ معانٍ تُفْهم مِنْها، لقد كان ينبغي أنْ يتَّبعوا ذلك مِن قولِهم ما ينبئ عن غرضهم، وأن يذكروا أنهم عتوا بالألفاظ ضرْباً من المعنى، وأن غرَضَهم مفهومٌ خاصٌّ.

٥٣٨ - هذا، وأمرُ "النظم" في أنه ليس شيئاً غيرَ توخِّي معاني النحوِ فيما بينَ الكَلم، وأن ترتب المعاني في أنه ليس شيئاً غيرَ توخِّي معاني النحوِ فيما بين الكَلِم، وأنَّك تُرتِّبُ المعاني، أولاً في نفسِك، ثم تحذو على ترتيبها الألفاظَ في نُطْقك، وأنَّا لو فَرَضْنا أن تخلوا الألفاُظُ منَ المعاني، لم يُتصوَّر أنْ يَجبَ فيها نَظْمٌ وترتيبٌ٣ في غاية القوَّة والظهورِ، ثم ترَى الذين لَهَجُوا بأمرِ "اللفظِ" قد أبَوْا إلا أن يجعلوا "النظم" في الألفاظ. ترى الرجُلَ منهم يَرى ويَعْلم أنَّ الإنسانَ لا يسَتطيعُ أن يجيءَ بالألفاظ مرتَّبةً إلاَّ من بعد أن يفكر في


١ يعني بهذا القاضي عند الجبار المعتزلي وما كتبه في كتابه "المغني".
٢ هذا نص مقالة القاضي عبد الجار المعتزلي، وقد مضى برقم: ٥٥، ورقم: ٤٦٦.
٣ السياق: هذا، وأمر النظم ... في غاية القوة ... ".