للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تلك الفضيلة إلى اللفظ خاصة، وأن لا يكونَ لها مرجعٌ إلى المعنى، من حيثُ إنْ ذلك، زَعموا، يُؤدِّي إلى التناقضِ، وأنْ يكونَ معناهُما مُتَغايِراً وغيرَ متغايرٍ معاً.

ولمَّا أَقَرُّوا هذا في نُفوسِهِم، حَمَلوا كلامَ العلماءِ في كلِّ ما نَسَبوا فيه الفضيلةَ إلى "اللفظِ" على ظاهرِه، وأَبَوْا أن ينظُروا في الأوصافِ التي أَتْبعوها نسبتَهم الفضيلةَ إلى "اللفظِ"، مثلَ قولهم: "لفظٌ متمكِّنٌ غيرُ قَلقٍ ولا نابٍ به موضِعُه"، إلى سائر ما ذكرْناه قبْلُ١، فيَعْلمَوا أَنهم لم يُوجِبوا لِلَّفظ ما أوجَبُوه من الفضيلةِ، وهُمْ يَعْنُونَ نُطْقَ اللسانِ وأجراسَ الحرُوف، ولكنْ جعَلوا كالمواضَعَة فيما بَيْنَهم أَنْ يقولوا "اللفظَ"، وهُم يُريدون الصورةَ التي تَحْدُثُ في المعنى، والخاصَّة التي حَدثَتْ فيه، ويَعْنونَ الذي عَناه الجاحظُ حيث قال.

"وذهبَ الشيخُ إلى استحسانِ المعاني، والمعاني مطروحةٌ وسطَ الطريقِ، يَعْرِفُها العربيُّ ولاعجمي، والحضريُّ والبدويُّ، وإنَّما الشعرُ صياغةٌ وضرْبٌ من التَّصوير"٢.

وما يعَنونه إذا قالوا: "إنه يأخُذُ الحديث فيشنفه ويقرطه، ويأخذ المعنىخرزة فيردُّه جَوهرةً، وعباءةً فيجعلُه ديباجَةً، ويأخذُه عاطِلاً فيرده حاليصا". وليس كون هذا مرادهم، بحيث كان بنيغي أن يخفى هذا الخفاء ويشتبه هذا الاشتباء، ولكنْ إذا تعاطَى الشيءَ غيرُ أهلِه، وتولَّى الأمرَ غيرُ البصير به، أَعْضَلَ الداءُ، واشتدَّ البلاءُ. ولو لم يكن مِنَ الدليلِ على أنَّهم لم يَنْحَلُوا "اللفظَ" الفضيلةَ وهم يُريدونه نَفْسَه وعلى الحقيقةِ إلاَّ واحدٌ، وهو وصْفُهم له بأنه يزين المعنى، وأنه حلى


١ انظر ما سلف رقم: ٥٤٠، وهذا دليل على أن عبد القاهر هذا الرسائل والتقبيدات، تعقيبًا على كتابه الذي فرغ منه، وهو "دلائل الإعجاز".
٢ مضى قول الجاحظ وتجريحه فيما سلف الفقرة رقم: ٢٩٨، ورقم: ٥٧٧.