للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٥٧٣ - وحكى المرزباني قال: "حدثني عمرو الوراق قال: رأيتُ أبا نواس يُنْشد قصيدتَه التي أولها:

أيها المنتاب عن عفره١

فسحدته، فلما بلغ إلى قوله:

تتأيى الطيرُ غدوتَهُ ... ثِقةً بالشِّبْع مِن جَزَرِهُ

قلتُ له: ما تركتَ للنابغة شيئاً حيثُ يقولُ: "إِذا ما غدَا بالجيش"، البيتين، فقال: اسكُتْ، فلئن كان سَبَقَ فما أسأْتُ الاتِّباعَ".

وهذا الكلام من أبينواس دليلٌ بيِّنٌ في أنَّ المعنى يُنْقَل من صورةٍ إِلى صورة. ذاك لأنه لو كان لا يكونُ قد صنَعَ بالمعنى شيئاً، لكانَ قوله: "فما أسأتُ الاتِّباع" مُحالاً، لأنه على كل حالٍ لم يَتْبَعْه في اللفظ. ثم إنَّ الأَمر ظاهرٌ لِمَن نظَر في أنه قد نَقَل المعنى عن صورته التي هو عليها في شِعْر النابغَة إِلى صورةٍ أُخرى. وذلك أن ههنا معنيَيْنِ:

أحدُهما: أصْلٌ، وهو: عِلْمُ الطَّير بأنَّ الممدوحَ إِذا غزا عَدُوّاً كان الظفَرُ له، وكان هو الغالبَ.

والآخرُ فرْعٌ، وهو: طمَعُ الطيرِ في أن تتَّسع عليها المطاعِمُ من لحوم القتلى.


١ في هامش المخطوطة، بخط كاتبها، ما نصه:
"يقال: لقيته عن عفر: أي بعد شهر ونحوه".
وكان في المطبوعة: "من عفر"، وهو في الديوان على الصواب.