أنق لها، وأخذته الأربحية عندها، وعرف لطف موقع "الحذف" و "التنكير" في قوله:
نظرٌ وتسليمٌ على الطرقِ
وما في قولِ البحتري:"لي عليكَ دموعُ" مِنْ شبْه السِّحر، وأنَّ ذلك من أجْل تقديم "لي" على "عليك"، ثم تنكيرِ "الدموع" وعرَفَ كذلك شرَفَ قولِه:
وقالتْ نجومٌ لو طلعْن بأسعد
وغلو طبقتِه، ودقةَ صنعتِه.
٦٤٣ - والبلاءَ١، والداءَ العياء، إنَّ هذا الإِحساسَ قليلٌ في الناس، حتى إنه ليكونُ أن يقعَ للرجل الشيءُ من هذه الفروقِ والوجوهِ في شِعْرٍ يقوله: أو رسالةٍ يكتُبها، الموقعَ الحسَن. ثم لا يعلمُ أنه قد أحْسَنَ. فأمَّا الجهلُ بمكانِ الإِساءة فلا تَعْدمُه، فلستَ تملكُ إذاً من أمرِكَ شيئاً حتى تظفرَ بمَنْ له طبعٌ إذا قدحْتَه وَرَى، وقلبٌ إذا أرْيتَهُ رأى، فأمَّا وصاحبُك مَنْ لا يرى ما تُريه، ولا يهتدي للذي تَهديه، فأنتَ رام في غيرِ مَرْمًى، ومُعَنٍّ نفسَك في غيرِ جَدْوى، وكما لا تُقيم الشعرَ في نفسِ مَن لا ذوقَ له، كذلك لا تُفهِمُ هذا الشأنَ مَنْ لم يؤْتَ الآلة التي بها يَفْهم، إلاَّ أنه إنما يكونُ البلاءُ إذا ظنَّ العادِمُ لها أنه أُوتيَها، وأنه ممَّنْ يكملُ للحكْم، ويصحُّ منه القضاءُ، فجعَل يقول القولَ لو علِمَ غبه لاستحى منه. فاما الذي يحسن بالنقص من نفسه، ويعلم أنه قد عدم علمًا قد أوتيته مِنْ سِواه، فأنتَ منه في راحة، وهو رجلٌ عاقلٌ قد حماهُ عقلُه أنْ يعْدُو طورَهُ، وأن يتكلَّف ما ليس بأهلٍ لَهُ.
١ هذه الفقرة كلها: ٦٤٣، هي ختام الرسالة الشافية رقم: ٥٠ كما سيأتي ورحم الله الشيخ الكبير عبد القاهر، فكأنه يتكلم في هذا كله عن زماننا نحن، لا عن زمانه.