للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقول المنتبى:

بمن نضرب الأمثال أم من نفيسه ... إليكَ وأهْلُ الدهرِ دونكَ والدهرُ١

ليس بخفيٍّ على مَنْ لَهُ ذوقٌ أنه لو أتى موضعُ الظاهرِ في ذلك كله بالضمير فقيل: "وضيفُ عمروِ وهو يسهران معاً"، و "ربما أمرَّ مذاقُ العودِ وهو أخضر"، و "أهلُ الدهر دونَكَ وهو"، لعُدِمَ حُسْنٌ ومزيةٌ لا خفاءَ بأمرِهما، ليس لأنَّ الشعرَ يَنكَسِرُ، ولكنْ تنكره النفس.

٦٥٠ - وقد يرى في بادئ الرأي أنَّ ذلك من أجْل اللَّبْسِ، وأنكَ إذا قلتَ: "جاءني غلامُ زيدٍ وهو"، كان الذي يقَعُ في نفسِ السامعِ أنَّ الضميرَ للغلام، وأنكَ على أنْ تجيءَ له بخَبر، إلا أنَّه لا يستمرُّ، من حيثُ إنَّا نقول: "جاءني غلمانُ زيدٍ وهو"، فتَجِدُ الاستنكارَ ونبُوَّ النفسِ، مع أنْ لا لَبْسَ مثْلَ الذي وجدْناه. وإذا كان كذلك، وجَب أن يكونَ السببُ غيرَ ذلك.

٦٥١ - والذي يوجُبِه التأمُّلُ أن يُردَّ إلى الأصْل الذي ذَكَره الجاحِظُ: من أنَّ سائلاً سألَ عن قولِ قيسِ بنِ خارجة: "عندي قِرى كلِّ نازلٍ، ورضَى كلِّ ساخِطٍ، وخُطبةٌ مِنْ لَدُنْ تطْلُعُ الشمسُ إلى أن تَغْرُبَ، آمرُ فيها بالتَّواصُل، وأَنْهى فيها عن التقاطُع"، فقال: أليسَ الأمرُ بالصِّلة هو النهيُ عن التقاطعِ؟ قال فقال أبو يعقوب: أما علمتَ أنَّ الكنايةَ والتعريضَ لا يَعملان في العقولِ عملَ الإِفصاحِ والتكشيف"، ٢ وذكرتُ هناك أن هذا الذي ذُكِر، من أنَّ للتصريحِ عملاً لا يكون


١ هو في ديوانه.
٢ هو فيما سلف رقم: ١٧٤، وفيه في البيان: "فقيلَ لأبي يعقوب: هلاَّ اكْتَفى بالأمِر بالتواصلِ والنهي علن التقاطع، أو ليس الأمرُ بالصلةِ هو النهْيُ عن التقاطعِ؟ قال: أو ما علمت أن الكناية ... ".