مضى فيها يقرؤها، فلما سمعها عتبة أنصت له، وألقى يديه خلف ظهره معتمدًا عليهما يستمع منه، حتى انتهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى السجدة منها فسجد، ثم قال له:"قد سمعت ما سمعت فأنت وذاك"!
فقام عتبة إلى أصحابه، فقال بعضهم لبعض: لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به. فلما جلس قالوا: ما وراءك؟ قال: ورائي أني سمعت قولًا والله ما سمعت بمثله قط، وما هو بالشعر ولا السحر ولا الكهانة، يا معشر قريش أطيعوني، خلو بين هذا الرجل وبين ما هو فيه واعتزلوه، فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت نبأ، فإن نصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهره على العرب به، فملكه ملككم، وكنتم أسعد الناس به. قالوا: سحرك بلسانه! قال: هذا رأيي فاصنعوا ما بدا لكم.
٩ - ومنه ما جاء في حديث أبي ذر في سبب إسلامه١: روي أنه قال: قال لي أخي أنيس: إن لي حاجة إلى مكة، فانطلق فراث، فقلت: ما حبسك؟ قال: لقيت رجلًا [يقول] إن الله تعالى أرسله. فقلت: فما يقول الناس؟ قال: يقولون شاعر، ساحر، كاهن. قال أبو ذر: وكان أنيس أحد الشعراء، قال: والله لقد وضعت قوله على أقراء الشعر فلم يلتئم على لسان أحد، ولقد سمعت قول الكهنة فما هو بقولهم، والله إنه لصادق وإنهم لكاذبون.
١ حديث إسلام أبي ذر، روي من طرق، وبألفاظ مختلفة، وبهذا اللفظ في صحيح مسلم، في كتاب فضائل الصحابة، "باب من فضائل أبي ذر رضي الله عنه"، من طريق "حميد بن هلال، عن عبد الله ابن الصامت، عن أبي ذر"، وهو أيضًا في طبقات ابن سعد ٤: ١/ ١٦١. و "راث على"، أبطأ. وروايتهما: "فلا يلتئم على لسان بعدي"، و "أقراء الشعر" يعني بخوره وطرائقه وأنواعه، جمع "قرى".