للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإنه أنشد هذا البيت نظائره ثم قال: وهذا المعنى قد غلب عليه بشار، كما غلب عنترة على قوله:

وخلا الذباب بها فليس ببارح ... غردًا كفعل الشارب المترنم

هزجًا يحك ذراعه بذراعه ... قدح المكب على الزناد الأجذم

قال: فلو أن آمرأ القيس عرض لمذهب عنترة في هذا لافتضح"١.

وليس ذاك لأن بشارًا وعنترة قد أوتيا في علم النظم جملة ما لم يوت غيرهما، ولكن لأنه إذا كان في مكان خبئ فعثر عليه إنسان وأخذهِ، لم يبق لغيره مرام في ذلك المكان، وإذا لم يكن في الصدقة إلا جوهرة واحدة، فعمد إليها عامد فشقها عنها، استحال أن يستام هو او غيره إخراج جوهرة أخرى من تلك الصدفة. وما هذا سبيله في الشعر كثي لا يخفى على من مارس هذا الشأن. فمن البين في ذلك قول القطامي:

فهنَّ يَنْبُذنَ من قولٍ يُصبْنَ بهِ ... مَواقعَ الماء من ذي الغلة الصادي٢

وقول آبن حازم:

كفاك بالشيب ذنبًا عند غانيه ... وبالشباب شفيعًا أيها الرجل٣


١ كلام الجاحظ في الحيوان ٣: ١٢٧، وبيت بشار مضى في الدلائل، وبيتا عشرة في معلقته وديوانه.
٢ البيت في ديوانه.
٣ لمحمد بن حازم الباهلي، وكنيته أبو جعفر، وفي ديوانه المعاني ٢: ١٥٢ "لأبي حازم الباهلي"، خطأ. وفي المخطوطة "أبي حازم"، خطأ أيضًا، صوابه "ابن حازم" كما كتبت، وهذا الشعر في الأغاني ١٤: ٩٤، "الدار" ثلاثة عشر بيتًا، وانظر أيضًا أمالي الشريف المرتضى ١: ٦٠٦، وسمط اللآلي: ٣٣٦، وتخريجها، وقال ابن الأعرابي وذكر هذا الشعر كله: "أحسن ما قال المحدثون من شعراء هذا الزمان، في مديح الشباب وذم الشيب".