للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٦٦ - هذا ما ينبغي للعاقلِ أن يَجْعلَه على ذكر منه أبدًا، وأن يعلم أنه ليسَ لنا إذا نحنُ تَكلِّمْنَا في البلاغةِ والفصاحةِ١ معَ معاني الكلِم المفردةِ شغلٌ، ولا هيَ منَّا بسبيل، وإِنَّما نَعْمَد إلى الأحكام التي تَحْدُثُ بالتأليف والتركيب. وإذْ قد عرَفْتَ مكانَ هذه المزيةِ والمبالغةَ التي لا تزالُ تَسْمع بها، وأَنها في الإثباتِ دونَ المُثْبَتِ، فإنَّ لها في كلَّ واحدٍ من هذه الأجناس سَبباً وعلَّة.

أما "الكنايةُ"، فإنَّ السببَ في أنْ كانَ للإثباتِ بها مزيةٌ لا تكونُ للتَّصريح٢، أنَّ كلَّ عاقلٍ يَعْلمُ إذا رجعَ إلى نفسهِ، أَنَّ إثباتَ الصفةِ بإثباتِ دَليلِها، وإِيجابَها بما هُو شاهِدٌ في وجودِها، آكدُ وأبلغُ في الدعوى من أن تجيء إليها فثبتها هكذا ساذَجاً غُفْلاً. وذلك أنَّكَ لا تدَّعي شاهدَ الصفةِ ودليلهَا إلاَّ والأَمرُ ظاهرٌ معروفٌ، وبحيثُ لا يُشَكُّ فيه، ولاَ يُظَنُّ بالمُخْبر التجوُّزُ والغَلَطُ.

وأما "الاستعارةُ"، فسبَبُ ما تَرى لها من المزيّةِ والفخامةِ٣، أَنَّك إذا قُلْتَ: "رأيتُ أسداً"، كنتَ قد تلطَّفْتَ لما أَردْتَ إثباتَه له من فَرْط الشَّجاعةِ، حتى جعلْتَها كالشَّيءِ الذي يَجبُ له الثبوتُ والحصولُ، وكالأمرُ الذي نُصِبَ له دليلٌ يَقطع بوجودهِ. وذلك أَنه إذا كان أَسداً، فواجبٌ أن تكونَ له تلك الشجاعةُ العظيمةُ، وكالمُستحيلِ أو الممتنعِ أنْ يَعْرى عنها. وإِذا صرَّحتَ بالتَّشبيه فقلتَ: "رأيتُ رجلاً كالأسد"، كنتَ قد أَثبتَّها إثباتَ.


١ السياق: " .... أن ليس لنا ... مع معاني الكلم ... ".
٢ في "ج" أسقط: "فأن السبب في" وكتب: "وإن كان للإثبات".
٣ في "ج": "فبسبب".