للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والأمر على ما قاله لأنه قد روي في بعض ألفاظ الحديث ما يمنع من حمله على ظاهره هذا، ولم يرد في غيره من أخبار الصفات ما دلَّ على صرفه عن ظاهره، فلهذا وجب حملها على ظاهرها، وذلك أنه روي فيه أنه: "يؤذيني ابن آدم، يَسُّبُ الدهر وأنا الدهر، بيدي الأمر، أُقَلِّبُ الليل والنهار"، وفي لفظ آخر: "لي الليل والنهار، أجَدِّده وأُبْلِيهِ، وأَذْهّبُ بملوك وآتي بملوك"

فتبين أن الدهر الذي هو الليل والنهار خلق له وبيده، وأنه يجدِّده ويبليه، فامتنع أن يكون اسما له.

وأصل هذا الخبر أنه ورد على سبب، وهو أن الجاهلية كانت تقول: أصابني الدهر في ماليَ بكذا، ونالتني قوارع الدهر ومصائبه. فيضيفون كل حادث يحدث مما هو جار بقضاء الله وقدره وخلقه وتقديره من مرض أو صحة أو غنى أو فقر أو حياة أو موت إلى الدهر ويقولون: لعن الله هذا الدهر والزمان؛ ولذلك قال قائلهم:

أمِنَ المنون وريبه تتوجعُ

والدهر ليس بمعتب من تجزع

وقال تعالى: {نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ} ١ أي ريب الدهر وحوادثه، وقال سبحانه وتعالى: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ} ٢ فأخبر عنهم بما كانوا عليه من نسبة أقدار الله وأفعاله إلى الدهر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تسُّبوا الدهر" أي إذا أصابتكم المصائب لا تنسبوها إليه، فإن الله هو الذي أصابكم بها لا الدهر، وإنكم إذا سببتم الدهر وفاعل ذلك ليس هو الدهر٣.


١ الآية ٣٠ من سورة الطور.
٢ الآية ٢٤ من سورة الجاثية.
٣ نقض تأسيس الجهمية ١/١٢٤-١٢٦.

<<  <   >  >>