السّاكن الأخير عارِضٌ تقول:"لم يبع الثّوبَ" و"لم يقل الحقَّ" و"لم يخف اللهَ"، ألا ترى أنّك تقول:"لم يبع ثوبًا" و"لم يخف زيدًا" و"لم يقل حقًّا" فلا يلقى السّاكن ساكنًا بعده؟ فعلمت أنّ دخوله عارضٌ.
فإن قيل: فما علامة الجزم في قوله: "لم يبع الثّوب"؟
قيل له سكون العين، لأنّ الحركة لا يعتدُّ بها، فلمّا لم يُعْتَدَّ بها صارت الكسرة في العين كالمعدومة، وكذلك لو قلت:"بِعِ الثّوب" فعلامة الوقف فيها سكون العين، لأنّ الحركة لالتقاء السّاكنين لا يعتدُّ بها، ولو اعتُدَّ بها لرجعت الحروف التي سقطت لالتقاء السّاكنين.
وكذلك قولهم:"هذا قاضٍ" و"مررت بقاضٍ" والأصل فيه: "قاضِيٌ" في الرّفع و: "قاضِيٍ" في الجرّ، فاستثقلوا الضّمّة والكسرة على الياء الخفيفة التي قبلها كسرة فأسقطوها، فبقيت الياء ساكنة، والتّنوين بعدها ساكن، فاجتمع ساكنان: الياء والتّنوين، فأسقطت الياء لالتقاء السّاكنين، وكانت أولى بالإسقاط، لأنّ قبلها كسرة تدلّ عليها وتغني عنها، ولم يجز أن يحرّكوها، لأنّهم قد فرّوا من حركتها، ولم يجز أن يحرّكوا التّنوين لالتقاء السّاكنين، لأنّ التنوين إنّما يحرَّك لساكن بعده لا لساكن قبله.
وقد شبّهوا بهذه الحروف النّون في خمسة أمثلة من الفعل وهي "تفْعَلين" و"تفعلان" و"يفعلان" و"يفعلون" و"تفعلون" فقد أسقطوا النّون في هذه للجزم كما أسقطوا حروف العلّة، وإنّما شبّهوها بحروف العلّة، لأنّ الحركة فيها إنّما هي لسكونها وسكون ما قبلها، فلم يعتدّ بحركتها لمّا كانت لالتقاء السّاكنين، فصارت كأنّها ساكنة، فأشبهت حروف العلّة لأجل الغنّة التي فيها، ولأنّها تكون ضميرًا في المؤنّث إذا قلت:"يَضْرِبْنَ"