القاعدة الأولى التى قام عليها اعتقاد السلف الصالح فى التعرف على أوصاف اللَّه عز وجل هى توحيده وإفراده عمن سواه، فهم يتميزون عن سائر الناس بهذه الصفة صفة التوحيد، سواء كان ذلك فى إيمانهم بربوبية اللَّه تعالى وإفراده بالخلق والأمر، كما قال فى سورة الأعراف: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّه رَبُّ الْعَالَمِينَ (٥٤) } أو كان فى عبادتهم له سبحانه وتعالى كما قال فى سورة البينة: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّه مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (٥) } فلا يخضعون عن محبة ورغبة لأحد إلا لله، ولا يشركون معه سواه فى العبادة، أو كان فى إيمانهم بما أثبته اللَّه لنفسه من أنواع الكمالات فى الأسماء والصفات.
... فالتوحيد يقصد به فى باب الصفات إفراد اللَّه سبحانه وتعالى بذاته وصفاته وأفعاله عن الأقيسة والقواعد والقوانين التى تحكم ذوات المخلوقين وصفاتهم وأفعالهم والدليل على ذلك من القرآن قوله تعالى فى سورة الشورى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ (١١) } فبين سبحانه انفراده عن كل شئ من أوصاف المخلوقين بجميع ما ثبت له من أوصاف الكمال والجمال والجلال، وعلو شأنه فيها فى كل حال وقال تعالى فى أول سورة الإخلاص: {قُلْ هُوَ اللَّه أَحَدٌ (١) } وقال فى نهايتها مبينا معنى الأحدية: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (٤) } أى أن الأحد هو المنفرد بأوصاف الكمال الذى لا مثيل له فنحكم علي كيفية أوصافه من خلاله، ولا يستوى مع سائر الخلق فيسرى عليه قانون أو قياس أو قواعد تحكمه كما تحكمهم، لأنه المتصف بالتوحيد المنفرد عن أحكام العبيد،