القاعدة الثانية التى قام عليها اعتقاد السلف الصالح هى إثبات الصفات على مراد اللَّه ورسولهصلى الله عليه وسلم فاللَّه سبحانه وتعالى بعد أن بدأ بالتوحيد أولا فى قوله تعالى فى سورة الشورى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ (١١) } اتبع ذلك باثبات الصفات التى تليق به فقال: {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ (١١) } فالتوحيد يستلزم إثبات الصفات، وهذا هو المناسب للفطرة السليمة، والعقول المستقيمة.
... وبيان ذلك أن المتوحد المنفرد عن غيره لابد أن ينفرد بشئ يتميز به ويكون هو الوحيد المتصف به أما الذى لا يتميز بشئ عن غيره ولا يوصف بوصف يلفت الأنظار إليه، فهذا لا يكون منفردا ولا متوحدا ولا متميزا عن غيره فمثلا لو قلت: فلان لا نظير له سيقال لك فى ماذا؟ تقول: فى علمه أو فى حكمته أو فى غناه أو فى ملكه أو فى استوائه أو فى أى صفة تذكرها، فلا بد من ذكر الوصف الذى يتميز به، لكن من العبث أن يقال لك: فلان لا نظير له فى ماذا؟ فتقول: فى لا شئ، أو تقول لا صفة له أصلا، فاللَّه وله المثل الأعلى أثبت لنفسه أوصاف الكمال التى انفرد بها دون غيره ونفى عن نفسه أوصاف النقص ليثبت توحده فى ذاته وصفاته، فأثبت لنفسه الوحدانية فى استوائه فقال فى سورة طه: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (٥) } فاستواؤه له كيفية تليق به لا نعلمها ولا مثيل ولا شبيه له فيها، وأثبت الوحدانية فى كلامه فقال فى سورة النساء: {وَكَلَّمَ اللَّه مُوسَى تَكْلِيمًا (١٦٤) } فكلامه بكيفية تليق به ليس كمثله شئ فيها ولا علم لنا بها، فمداركنا وإن استوعبت معنى كلامه فإنها لا تستوعب كيفية أداء لكلام، وأثبت لنفسه يدين لا مثيل ولا شبيه له فيهما فقال تعالى فى سورة ص: {قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنْ الْعَالِينَ (٧٥) }