للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال: حدثنا عنه مُسَدَّدٌ، أحاديثُه مستقيمة. قلت: حَدَّث عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: إيَّاكُمْ والزَّنجَ، فإنهم خلق مشوَّه. فقال: مَن حَدَّث بهذا فاتهِمْهُ (١)!

فهذه الأمثلة الثلاثة واضحةُ الدلالة على أن أبا حاتم الرازيَّ وأبا داود لم يعرفا هؤلاء الرواة إلا عن طريق تفتيش حديثهم المجموع، وأنهما أصدرا أحكامَهما استنادًا إلى ذلك.

ومثلُ ذلك قولُ البخاري "ت ٢٥٦" في إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة الأشهلي المدني "٨٣ - ١٦٥ هـ": منكر الحديث، وقول أبي حاتم الرازي "ت ٢٧٧ هـ" فيه: شيخ ليس بقوي، يكتب حديثه ولا يحتج به، منكر الحديث، وقول النسائي "ت ٣٠٣ هـ" فيه: ضعيفٌ (٢).

فهؤلاء العلماء الثلاثة لم يدركوه ولا عرفوه عن قرب ولا نقلوا عن شيوخهم أو آخرين ما يفيد ذلك، فكيف تم لهم الحصولُ على هذه النتائج والأقوال؟ واضح أنهم جمعوا حديثه ودرسوه، وأصدروا أحكامهم اعتمادًا على هذه الدراسة.

وحينما يَذكر المتقدمون أن النقد إنما يقومُ على العُلماء الجهابذة، فليس معنى ذلك أنه يقومُ على دراسة الإسناد، يقول ابن أبي حاتم: "فإن قيلَ: فبماذا تُعْرَفُ الآثارُ الصحيحة والسقيمةُ؟ قيل: بنقدِ العُلماء الجهابذة الذين خَصَّهُمُ الله عز وجل بهذه الفضيلة، ورزقهم هذه المعرفة في كُلِّ دَهْرٍ وزمانٍ" (٣). ثم قال: "قيل لابن المبارك: وهذه الأحاديث المصنوعة؟ قال: يعيش لها الجهابذة" (٤).


(١) "تهذيب الكمال" ٢٧/ ٥٧٤.
(٢) "تهذيب الكمال" ٢/ ٤٣.
(٣) تقدمة "الجرح والتعديل": ٢.
(٤) نفسه: ٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>