قلتَ: إن هذا نبهرج، هل كنت حاضرًا حين بُهرِج؟ قال: لا. فإن قيل له: فأخبرك الرجل الذي بهرجه: أني بهرجت هذا الدينار؟ قال: لا. قيل: فمن أين قلت: إنَّ هذا نبهرج؟ قال: عِلمًا رُزِقتُ. وكذلك نحن رُزقنا معرفة ذلك.
قلت له: فتحمل فصَّ ياقوت إلى واحدٍ من البُصراء من الجوهريين، فيقول: هذا زجاج، ويقول لمثله: هذا ياقوت، فإن قيل له: من أين علمت أن هذا زجاج وأن هذا ياقوت؟ هل حضرت الموضع الذي صُنع فيه هذا الزجاج؟ قال: لا، قيل له: فهل أعلمك الذي صاغه بأنه صاغ هذا زجاجًا، قال: لا. قال: فمن أين علمتَ؟ قال: هذا علمٌ رُزِقتُ. وكذلك نحن رُزقنا علمًا لا يتهيأ لنا أن نُخبرك كيف علمنا بأن هذا الحديث كذبٌ، وهذا حديث منكر إلا بما نعرفه" (١).
وهذه المرحلة هي المرحلة الأكثر أهمية في تاريخ الجرح والتعديل، وهي التي ينبغي أن تُتبع اليوم، لا سيما في المختلف فيهم، إذ يتعين جمع حديثهم، ودراسته من عدة أوجه:
أولها: أن ينظر في الراوي إن كان له متابع علي روايته ممن هو بدرجته، أو أكثر إتقانًا منه.
والثاني: أن يُعرض حديثه على المتون الصحيحة التي هي بمنزلة قواعد كلية، وهي القرآن الكريم وما ثبت من الحديث، فإن وافقها اعتبرت شواهد لها يتقوى بها، أما الشواهد الضعيفة فلا عبرة بها.
المرحلة الثالثة: الجمع بين أقوال المتقدمين في الرواة، وبين جمع حديث الراوي وسَبره وإصدار الحكم عليه، كما نراه واضحًا عند علماء القرن الرابع الهجري مثل ابن حبان "ت ٣٥٤ هـ"، وابن عدي الجرجاني