فأحكامنا هذه التي توصَّلْنا إليها تُعد من الأحكام الاجتهادية التي يغلِب على الظن صحتُها، وهي خاضعةٌ للنقد، ويُمكن أن يقع فيها خطأ ككل الأمورِ الاجتهادية.
أما الطريقة المُثلى التي تنتهي بنا إلى اليقين في هذا المطلب، فهي استقراء مرويات كل راوٍ استقراءً تامًا، والحكم عليه بمقتضى مروياته، ونحن وإن حاولنا تحقيقَه هنا أو هناك، فهو أمرُ عَسِرُ المنالِ بالنسبة إلينا الآن، ولا يتم إلا باستخدام الحاسوب للإحصاء الدقيق، ثم الدراسة الجادة على ضوءِ ذلك، مما سَيعطي نتائج فاصلة، ونرجو المولى سبحانه أن يتيح لنا أو لغيرنا ممن يتعاطى هذه الصناعة القيام بهذا العمل العظيم الذي تتحقق به الفائدة الكبرى الموصلة إلى شبه اليقين.
ولا يظنن ظان بأننا في مخالفتنا واحدًا من أبرز علماء الحديث في عصره قد قمنا ببدع من العمل لم نسْبَقْ إليه، ففي تاريخِ السلَفِ الصالح مِن أئمة الجرح والتعديل الأسوة في ذلك، فقد اختلفوا في توثيقِ الرجال وتضعيفهم بحسب ما تبيَّنَ لهم وأدى إليه اجتهادهم، وما وراءَ ذلك - بحمد الله ومَنّه - إلا حسن إسلام وغيرة على سنة المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، وردّ بعضهم على بعض وغَلَّطوهم، ولم يُثلم أحدٌ بسبب ذلك، فكل إنسان يُؤخذ مِن قوله ويُترك إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
والذين يقرؤون هذا الكتاب للانتفاع به نوعانِ كانا قصدَ تأليفه:
الأول: الباحث المتخصِّص الذي سينظر إلى هذه الأحكام بعينٍ ناقدة فيقبلُها أو يَرُدُّها. ونرى من الواجب علينا التأكيدَ لإخوتنا من أهلِ العلم المتخصصين به، العاملين على حفظِ سنة النبي الأمي - صلى الله عليه وسلم -، وصيانتها ورعايتها ونشرها أننا قد بذلنا الطاقة، واستفرغنا الجهد، واستنفدنا الوسعَ في التدقيق والتمحيص، وأن عقلَنا للنصح مفتوح والصدر