والدعوة السلفية تسعى فيما تسعى إليه إلى إصلاح السياسة والحكم، ولكنها تعتقد أنه جزئية ينزل منزلته من أوامر الذين من حيث الأهمية والأولوية، ويسعى إليه بالقدر السليم الصحيح الذي يتناسب مع القائمين بالدعوة وجهودهم، وهي تدعو الله لكل سلطان صالح يريد الخير للناس، وتدعو جميع السلاطين القائمين إلى تحكيم شرع الله في أنفسهم وما خولهم الله إياه.
وأما أولئك الآخرين؛ فإنهم يشرقون ويغصون لو أن حاكماً دعا إلى شيء من الإسلام، وطبق شيئاً من أحكامه، وذلك أنهم يريدون أن يبقى التناقض قائماً بين الحاكم والإسلام؛ لتستمر دعوتهم، ويكون مبرر لوجودهم، وذلك أنهم يرون أن توجه الحكام إلى الإسلام نهاية لوجودهم، وسرقة لدعوتهم، وقد يشعرون بهذا، ويحاربون هذا عن علم، وقد لا يشعر بهذا كثير منهم.
ولذلك حملهم هذا أيضاً على العصبية في الدعوة، وحب الظهور، والرغبة في ألا يأتي الخير للناس إلا من طريقهم، ولذلك عادوا إخوانهم في الدعوة، وذلك كما تعادي الأحزاب السياسية بعضها بعضاً، يسوؤهم أن يصل آخرون إليه، ولو كانوا مسلمين مثلهم وخيراً منهم، أو أن يصلح القائمون في الحكم أنفسهم..
وكذلك الشأن في كل دعوة اتخذت جزئية من جزئيات الإسلام مراداً ومنطلقاً وغاية لها؛ كالدعوات إلى الإصلاح الاجتماعي؛ من محاربة شرب الخمر، والاختلاط، وأندية الفسق والفجور.. ونحو ذلك.
وكذلك دعوات البر والإحسان والعطف على الفقراء واليتامى، هذه الجمعيات والدعوات التي تتوقف عند جزئية من جزئيات الدين يضل سعيها، ولا تصل إلا إلى أقل القليل من النتائج، وقد يبقى أفرادها في دوائر ضيقة من العلم والعمل، ثم يتفرقون ويتمزقون، بل قد يجتمع معهم أهل النيات الفاسدة ومحبي الظهور والمدح.