منها ما عُلم أنّ عاقبتة لا تجلب ألَماً ولا ضَرَراً دنيائيٍّا موازياً للذّة المُصابة منها فضلاً عمّا تجلب ممّا يُوفى ويرجح على اللّذة التي أُصيبت في صدرها. وهذا يراه ويقول به ويوجب حمل النفس عليه مَن كان من الفلاسفة ل يرى أنّ للنفس وجوداً بذاتها، ويرى أنها تفسد بفساد الجسم الذي هي فيه. فأمّا مَن يرى أنّ للنفس أنيّةً وذاتاً مّا قائمة بنفسها وأنها تستعمل الجسم الذي لها بمنزلة الأداة والآلة وأنها لا تفسد بفساده فيرتقون من زمّ الطباع ومجاهدة الهوى ومخالفته إلى ما هو أكثر من هذا كثيراً جداً، ويرذلون ويستنقصون المنقادين له والمائلين معه تنقُّصاً شديداً ويحلّونهم محلّ البهائم، ويرون أنّ لهم - في اتّباع الهوى وإيثاره والميل مع اللذّات والحبّ لها والأسف على ما فات منها وإيلام الحيوان لبلوغها ونيلها - عواقبَ سوءٍ بعد مفارقة النفس للجسد يكثر ويطول لها ألمها وأسفها وحسرتها. وقد يستدل هؤلاء من نفس هيئة الإنسان على أنه لم يتهيّأ للشغل باللذّات والشهوات بل لاستعمال الفكر والرويّة من تقصيرة في ذلك عن الحيوان غير الناطق. وذلك أنّ البهيمة الواحدة تُصيب من لذّة المأكل والمنكح ما لا يصيبه ولا يقدر عليه عدد كثير من الناس. فأمّا حالها في سقوط الهّم والفكر عنها وهناءة عيشها وطيبها بذلك فحالة لا يصيب الإنسان ولا يقدر على مثالها بتّةً، وذلك أنها من هذا المعنى في الغاية والنهاية. فإنّا نرى البهيمة