وينبغي أن يعلم أن الذين كان منهم مثل هذه الأفعال القبيحة في وقت غضبهم إنما أتوا من فقد عقولهم في ذلك الوقت، فيأخذ نفسه بأن لا يكون منه في وقت غضبه فعل إلا بعد الفكر والروية فيه، لئلا يِنَكى نفسه من حيث يروم إنكاء غيره، ولا يشارك البهائم في إطلاق الفعل من غير روية. وينبغي أن يكون في وقت المعاقبة بريا من أربع خلال: الكِبَر والبُغُض للمعاقَب ومن ضِدّي هذين، فإن الأولين يدعوان إلى أن يكون الانتقام والعقوبة مجاوزين لمقدار الجناية، والآخرين إلى أن يكونا مقصرين عنه. وإذا أخطر العاقل بباله هذه المعاني وأخذ هواه باتباعها كان غضبه وانتقامه بمقدار عدل، وأمن أن يعود عليه منه ضرر في نفسه أو في جسده في عاجل أمره وأجله.
[الفصل التاسع]
[في اطراح الكذب]
هذا أيضا أحد العوارض الرديئة التي يدعو إليها الهوى. وذلك أن الإنسان لما كان يحب التكبر والترؤس من جميع الجهات وعلى كل الأحوال يحب أن يكون هو أبدا المخبر المعلم، لما في ذلك من الفضل له على المخبر المعلم. وقد قلنا إنه ينبغي للعاقل أن لا يطلق هواه فيما يخاف أن يجلب عليه من بعد هما وألما