وندامة، ونجد الكذب يجلب على صاحبه ذلك، لأن المدمن للكذب المكثر منه لا يكاد تخطئه الفضيحة ولا يسلم منها، إما لمناقضة تكون منه لسهو ونسيان يحدثان له. وإما لعلم بعض من يحدثه واطلاعه من حديثه ذلك على خلاف ما ذكر. وليس يصيب الكذاب من الالتذاذ والاستمتاع بكذبه - ولو كذب عمره كله - ما يقرب فضلا عما يوازي ما يدفع إليه - ولو مرة واحدة في عمره كله - من هم الخجل والاستحياء عند افتضاحه واحتقار الناس واستصغارهم وتسفيههم وترذيلهم له وقلة ركونهم إليه وثقتهم به، إن كان ممن لنفسه عند نفسه مقدار ولم يكن في غاية الخسة والدناءة. فإن مثل هذا لا ينبغي أن يعد في الناس فضلا عن أن يكون يقصد بكلام يطمع به في صلاحه. ومن أجل أن أسباب الفضيحة في هذا المعنى ربما تأخرت كثيرا ما يغتر الجاعل بذلك، إلا أن العاقل ليس يورط نفسه فيما يخاف أو لا يأمن معه الفضيحة، بل يستظهر ويأخذ بالحزم في ذلك.
وأقول: إن الإخبار بما لا حقيقة له نوعان، فنوع منه يقصد به المخبر إلى أمر جميل مستحسن يكون له عند تكشف الخبر عذرا واضحا نافعا للمخبر، موجبا لأن يسوق ذلك الخبر إليه على ما ساقه إليه وإن لم يكن حقيقة كذلك. مثال ذلك أنه لو أن رجلا علم من ملك ما أنه مزمع على قتل صاحب له في يوم