إنّ الغضب جُعل في الحيوان ليكون له به انتقامٌ من المؤذي. وهذا العارض إذا أفرط وجاوز حدَّه حتى يُفقَد معه العقل فربما كانت نكايته في الغضب وإبلاغُه إليه المضرةَ أشدَّ وأكثر منها في المغضوب عليه. ومن أجل ذلك ينبغي للعاقل أن يُكثِر تذكُّرَ أحوال مَن أدَّى به غضبه إلى أمور مكروهة في عاجل الأمر وآجله، ويأخذ نفسه بتصورها في حال غضبه. فإن كثيراً ممن يغضب ربما لكم ولطم ونطح، فجلب بذلك من الألم على نفسه أكثر مما نال به من المغضوب عليه. ولقد رأيت من لكم رجلاً على فكَّه فكسر أصابعه حتى مكث يعالجها اشهُراً، ولم ينل الملكوم كثيرُ أذىً. ورأيت من استشاط وصاح فنفث الدم مكانه، وأدَّى به ذلك إلى السِلَّ وصار سبب موته. وبَلَغنا أخبارُ أُناس نالوا أهليهم وأولادهم ومن يعزُّ عليهم في وقت غضبهم بما طالت ندامتهم عليه، وربما لم يستدركوه آخر عمرهم. وقد ذكر جالينوس أن والدته كانت تثب بفمها على القفل فتعضهُ إذا تعسر عليها فتحهُ. ولعمري إنه ليس بين من فقد الفكر والروية في حال غضبه وبين المجنون كبير فرق. فإن الإنسان إذا أكثر تذكُّر أمثال هذه الأحوال في حال سلامته كان أحرى أن يتصورها في وقت غضبه.