ما أمكن في الكلام فيها، إذ قدّمنا السبب الأعظم والعلة الكبرى التي منها نستقي وعليها نبني جميع وجوه التلطُّف لإصلاح خُلق ما ردى. حتى أنه لو لم يُفَرد ولا واحدٌ منها بكلام يخصه بل أُغفِلَ ولم يُذكر بتّةً لكان في التحفُّظ والتمسُّك بالأصل الأول غني وكفاية لإصلاحها، وذلك أنّ جُلها مما يدعو إليه الهوى وتحمل عليه الشهوات، وفي زمّ هذين وحفظهما ما يمنع التمسُّك والتخلُّق بهما. إلاّ أنّا على كل حال ذاكرون من ذلك ما نرى أنّ ذكره أوجب وألزم وأعون على بلوغ غرض كتابنا هذا، وبالله نستعين.
[الفصل الرابع]
في تعرُّف الرجل عيوب نفسه
من أجل أنّ كل واحد منّا لا يمكنه منع الهوى محبةً منه لنفسه واستصواباً واستحساناً لأفعاله، وأن ينظر بعين العقل الخالصة المحضة إلى خلائقه وسيرته -لا يكاد يستبين ما فيه من المعايب والضرائب الذميمة، ومتى لم يستبين ذلك فيعرفه لم يُقلِع عنه إذ ليس يَشعُر به فضلاً عن أن يستقبحه ويعمل في الإقلاع