للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذلك ويبلغون من تزكيته ومدحه ما يحب. ومن بلايا العُجب أنه يؤدي إلى النقص في الأمر الذي يقع به العُجب، لأنّ المُعجب لا يروم التزيُّد ولا الاقتناء والاقتباس من غيره في الباب الذي منه يُعجَب بنفسه. لأنّ المُعجَب بفرسه لا يروم أن يستبدل به ما هو أفرهُ منه لأنه لا يرى أنّ فرساً أفرهُ منه، والمُعجب بعمله لا يتزيَّد منه لأنه لا يرى أنّ فيه مزيداً. ومَن لم يستزد من شئٍ ما نقص لا محالة وتخلّف عن رتبة نظرائه وأمثاله، لأنّ هؤلاء - إذا كانوا غير مُعجبين - لم يزالوا مستزيدين ولم يزالوا لذلك متزيِّدين مترقِّين، فلا يلبثوا أن يجاوزوا المُعجب ولا يلبث المُعجب أن يتخلّف عنهم. وممّا يُدفع به المُعجب أن يَكِلَ الرجلُ اعتبارَ مساويه ومحاسنه إلى غيره على ما ذكرنا قبلُ حيث ذكرنا تعرُّف الرجل عيوب نفسه، وأن لا يعتبر ولا يقيس نفس بقومٍ أخساء أدنياء ليس لهم حظ وافر من الشيء الذي أُعجب به من نفسه، أو يكون في بلدٍ هذه حالةٌ أهله. فأنه مَن احترس من هذين البابين لم يزل يَرِدُ عليه كلَّ يوم ما يكون به إلى تنقُّص نفسه أمْيَلَ منه إلى العُجب بها. وفي الجملة فإنه ينبغي أن لا تكبر وتعظم نفسه عنده حتى يجاوز مقدار نظرائه عند غيره، ولا تصغر ولا تقل حتى ينحط عنهم أو عمّن هو دونه ودونهم عند غيره. فإنه إذا فعل ذلك وقوم نفسه عليه كان برياً من زهو العُجب وخسة الدناءة، وسماه الناس العارف بقدر نفسه. وفيما ذكرنا أيضاً في هذا الباب كفاية، فلنقل الآن في الحسد

<<  <   >  >>