في ذلك لأن فعل هذا الحيوان ليس هو بالطبع لأن الحي لا يفعل بالطبع، وإنما المطبوعات كالنار وما جرى مجراها، فكيف يكون أمثال هذه بالطبع ولها أفعال مختلفة كالطيران إذا احتاجت إليه والسكون إذا تعنت واستغنت عن الطيران وكاختيارها كل شئ مما يغذيها دون غيره وتخيرها لأوكارها المواضع العالية الكنينة. ولكن الحيوان وإن كان غير مطبوع فله اختيار ما وتمييز وإن لم يكن له كل التمييز ولا يبلغ منزلة العقلاء بعد. فهذه حية فاجعل الطبيعة حية وإلا فقد خالفت حكم ما استشهدت به، فأرنا في الطبيعة وقصدها مثالا من الأشياء الموات كحرارة النار وهوى الحجر وإلا فدع التلبيس. فإن قالوا إن الطبيعة تدبر تدبيرا طبيعيا وتقصد وتفعل قصدا وفعلا طبيعيا، قيل لهم انفصلوا ممن زعم أنها تختار اختيارا طبيعيا وتؤثر شيئا على شئ إيثارا طبيعيا وأن النار تحرق إحراقا اختياريا. وهذا يتم وليس يجوز أن يفعل ويقصد ويريد ويؤثر إلا المختار الحي، والمطبوع الموات لا يوصف بذلك وأما زعم من زعم أن الطبيعة لا تفعل ولا تقصد وأنها ابتداء حركةٍ فيقال له ما تريد بابتداء حركةٍ وسكون؟ أتريدُ أنها إذا كانت حدثت الحركة والسكون والنمو والغذاء وترتبت الأشياء ووضعتها مواضعها ووضع شيء لشيء بها ومن أجلها؟ فقد وافقت القوم في المعنى وخالفتهم في الاسم. وإن أردت أن ما يحدث ليس بها ومن أجلها تركت القول بالطبيعة وأما ما حكي عن أنطيفن أن العنصر وحده هو الطبيعة فإن الكلام عليه في فعله كالكلام على من أثبت الطبيعة، لأنه مواتٌ تحدث فيه ومنه الأشياء لا بمحدث حي ولا بفاعل حكمةٍ