للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد بقي علينا من حجاج القوم شئ لم نقل فيه قولاً، وهو احتجاجهم لتحسين العشق بالأنبياء وما بُلُوا به منه. فنقول: إنه ليس من أحد يستجيز أن يُعَد العشق منقبةً من مناقب الأنبياء ولا فضيلةً من فضائلهم ولا أنه شئ آثروه واستحسنوه، بل إنما يُعَدّ هفوةً وزلةً من هفواتهم وزلاّتهم. وإذا كان ذلك كذلك فليس لتحسينه وتزيينه ومدحه وترويجه بهم وجه بتّةً، لأنه إنما ينبغي لنا أن نحث أنفسنا ونبعثها من أفعال الرجال الفاضلين على ما رضوه لأنفسهم واستحسنوه لها وأحبوا أن يُقتدى بهم فيه، لا على هفواتهم وزلاّتهم وما تابوا منه وندموا عليه وودّوا أن لا يكون ذلك جرى عليهم وكان منهم. فأما قولهم إنّ العشق يدعو إلى النظافة واللباقة والهيئة والزينة، فما يُصنع بجمال الجسد مع قبح النفس، وهل يحتاج إلى الجمال الجسداني ويجتهد فيه إلاّ النساء وذوو الخُنث من الرجال؟ ويقال إن رجلاً دعا بعض الحكماء إلى منزله، وكان كل شئ له من آلة المنزل على غاية السرور والحسن، وكان الرجل في نفسه على غاية الجهل والبله والفدامة. ويقال إنّ ذلك الحكيم تأمل كل شئ في منزله ثم إنه بصق على الرجل نفسه. فلما استشاط وغضب من ذلك قال له لا تغضب، فإني تأمّلت جميع ما في منزلك وتفقّدته فلم أر فيه أسمج ولا أرذل من نفسك، فجعلتها موضعاً للبصاق باستحقاق منها لذلك. ويقال إنّ ذلك الرجل بعد ذلك استخّفّ بما كان فيه وحرص على العلم والنظر.

<<  <   >  >>