الألم والأذى ليس هو - في إقعادنا عن مطالبنا وقطعنا دونها - بدون تقصيرهما عما ذكرنا قبل حيث ذكرنا إفراط فعل النفس الناطقة. ولذلك ينبغي أن يكون العقل يريح الجسد منهما وأن ينيله من اللهو والسرور واللذة بقدر ما يبلغ له ما يصلحه ويحفظ عليه صحته لئلا يخور وينهد وينهك ويقطع بنا دون قصدنا. ومن أجل اختلاف طبائع الناس وعاداتهم تختلف مقادير احتمال الفكر والهم فيهم، فبعض يحتمل الكثير منهما غير أن يضر ذلك به، وبعض لا يحتمل. فينبغي أن يتفقد ذلك ويتدارك قبل أن يعظم وأن يتدرج إلى الازدياد منه ما أمكن، فإن العادة تعين على ذلك وتقوى عليه. وبالجملة فإنه ينبغي أن يكون نيلنا وإصابتنا من اللهو والسرور واللذة لا أنها لها لنفسها، بل لكي نتجدد ونقوى به على العدو في فكرنا وهمنا اللذين بهما نبلغ مطالبنا. فإنه كما قصد الرجل السائر في إعلاف دابته ليس إلى أن ينيلها لذاتها بل إلى أن يقويها على بلوغ مكانه ومستقره، فكذلك ينبغي أن يكون حالنا في الاشتغال بمصالح أجسادنا. فإنه إذا فعلنا ذلك وقدرناه هذا التقدير بلغنا مطالبنا في أسرع الأوقات التي يمكن في مثلها بلوغها، ولم نكن كالذي أهلك راحلته قبل بلوغه أرضه التي يؤمها بالحمل عليها والخرق بها، ولا كالذي شغل بإسمانها وإخصابها حتى فاته الوقت الذي كان ينبغي أن يكون قد وصل فيه إلى موضعه ومستقره. وسنأتي في ذلك بمثل آخر، أقول: لو أن رجلا أحب علم الفلسفة وآثرها حتى جعلها همه وشغل