للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالنفس - لاسيما المهملة الممرجة الغير مؤدبة التي يسميها الفلسفة الغير مقموعة - لا يُسقط عنها الإدمان للباه شهوتها ولا الاستكثار من السر أري الشوق والنزوع إلى غيرهن. ولأن ذلك ليس يمكن أن يتم بلا نهاية فلا بد أن يصلى بحر فقد الالتذاذ بالمشتهى ورمضائه، ويقاسي ويكابد ألم عَدَمه مع ثبوت الداعي إليه والباعث عليه، إما لِعَوَزٍ من المال والممكنة وإما لضعفٍ وعجزٍ في الطبع والبنية، إذ كان ليس يمكن فيها أن ينال من المشتهي المقدار الذي تُطالب به الشهوة وتدعو إليه، كحالة الرجلين المذكورين في باب الشَرَه. وإذا كان الأمر على هذا فليس الصواب إلا تقديم هذا الأمر الذي لا بد منه ومن وقوعه ومقاساته - أعني فقد الالتذاذ بالمشتهي مع قيام الباعث عليه الداعي إليه - قبل الإفراط فيه والاستكثار منه، ليأمن عواقبه الرديئة ويزيح ضراوته واستكلابه وشدة حثه ومطالبته. وأيضاً فإن هذه اللذة من أولى اللذات وأحقها بالاطراح. وذلك أنها ليست اضطرارية في بقاء العيش كالطعام والشراب، وليس في تركها ألم ظاهر محسوس كألم الجوع والعطش، وفي الإفراط فيها والإكثار منها هدم البدن وهده. فليس الانقياد للداعي إليها والمرور معه سوى غلبة الهوى وطموسه العقل الذي يحق على العاقل أن يأنف منه ويرفع نفسه عنه ول يُشبه فيه الفحولة من التيوس ومن الثيران وسائر البهائم التي ليس معها رَوية ولا نظر في عاقبة. وأيضاً فإن استقباح جلِّ الناس

<<  <   >  >>