إلا أنه عام وشامل وقريب واضح يعتاده الطفل وينشأُ عليه، ولا يحتاج إلى الكلام فيه، على أن في ذلك بين الأمم تفاضُلاً كثيراً وبوناً بعيداً. وأمّا البلوغ من هذه الفضيلة أقصى ما يتهيأ في طباع الإنسان فلا يكاد يكمله إلاّ الرجل الفيلسوف الفاضل. وبمقدار فضل العوامّ من الناس على البهائم في زمّ الطبع والملكة للهوى ينبغي أن يكون فضل هذا الرجل على العوامّ. ومن هاهنا نعلم أنّ مَن أراد أن يزين نفسة بهذه الزينة ويكمل لها هذه الفضيلة فقد رام أمراً صعباً شديداً ويحتاج أن يوطن نفسه على مجاهدة الهوى ومجادلته ومخالفته. ولأن بين الناس في طباعهم اختلافاً كثيراً وبوناً بعيداً صار يسهل أو يعسر على البعض دون البعض منهم اكتسابُ بعض الفضائل دون بعض واطراح بعض الرذائل دون بعض. وأنا مبتدئ بذكر كيفية اكتساب هذه الفضيلة - أعني قمع الهوى ومخالفته - إذ كانت أجلّ هذه الفضائل وأشرفها وكان محّلها من جملة هذا الغرض كلّه محلّ الاسطقس التالي للمبدأ.
فأقول: إنّ الهوى والطباع يدعوان أبداً إلى إتّباع اللذّات الحاضرة وإيثارها من غير فكر ولا رويّة في عاقبة ويحثّان عليه ويُعجلان إليه، وإن كان جالباً