عواقب الأمور وأواخرها فنجدها وندركها كأن قد كانت ومضت فنتنكب الضارة منها ونسارع إلى النافعة. وبهذا يكون أكثر حسن عيشنا وسلامتنا من الأشياء المؤذية الرديئة المتلفة. فحّق علينا أن نعظم هذه الفضيلة ونجلها ونستعملها ونستعين بها ونمضي أمورنا على إمضائها إذ كانت سبيلا إلى النجاة والسلامة ومفضلة لنا على البهائم الهاجمة على ما لا تتصور أواخره وعواقبه. فلننظر الآن بعين العقل البريء من الهوى في التنقل في الحالات والمراتب لنعلم أيها أصلح وأروح وأولى بالعقل طلبه ولزومه ونجعل مبدأ نظرنا في ذلك من هاهنا. فنقول: إن هذه الأحوال ثلاث، الحالة التي لم نزل عليها وربينا ونشأنا فيها، والتي هي أجل وأعلى منها، والتي هي أدنى وأخس منها. فأما أن النفس تؤثر وتُحبّ وتتعلق من أول وهلة بغير نظر ولا فكر بالحالة التي هي أجل وأعلى فذاك ما نجده من أنفسنا، غير أنا لا نأمن أن يكون ذلك ليس عن حكم العقل بل عن الميل وبدار الهوى. فلنستحضر الآن الحجج والبراهين ونحكم بعد بحسب ما توجبه فنقول: إن التنقل من الحالة التي لم نزل عليها المألوفة المعتادة لنا إلى ما هو أجل منها إذا نحن أزلنا عنها الاتفاقات النادرة العجيبة لا يكون إلا بالحمل على النفس وإجهادها في الطلب. فلننظر أيضا هل ينبغي لنا أن نجهد أنفسنا ونكدها في الترقي إلى ما هو أجل من حالتنا التي قد اعتدناها وألفتها أبداننا أم لا. فنقول: إن من نمى بدنه ونشأ ولم يزل معتادا لأن لا يؤمره الناس ولا تسير أمامه وخلفه