تصير من بعد الموت إلى ما هو أصلح لها كانت فيه. وهذا بابٌ يطول الكلام فيه جداً إذا طُلب من طريق البرهان دون الخبر. ولا وجه للكلام فيه البتة لا سيما في هذا الكتاب، لأن مقداره كما ذكرنا قبل يجاوز مقداره في شرفه وفي عرضه وفي طوله، إذ كان يحوج إلى النظر في جميع المذاهب والديانات التي تُرى وتوجب للإنسان أحوالاً من بعد موته، والحكم بعد لمُحقها على مُبطلها. وليس بصعوبة مرام هذا الأمر وما يضطر ويحتاج إليه فيه من طول الكلام خفاء. فنحن لذلك تاركوه ومقبلون على إقناع من يرى ويعتقد أن النفس تفسد بفساد الجسد، فإنه متى أقام على الخوف من الموت كان مائلاً عن عقله إلى هواه
فنقول: إن الإنسان على قول هؤلاء ليس يناله من بعد الموت شيء من الأذى بتةً، إذ الأذى حس والحس ليس إلا للحي وهو في حال حياته مغمور بالأذى منغمس فيه، والحالة التي لا أذى فيها من الحالة التي فيها الأذى، فالموت إذاً أصلح للإنسان من الحياة. فإن قال قائل إن الإنسان وإن كان يصيبه في حال حياته الأذى فإنه ينال من اللذات ما ليس يناله في حال موته، قيل له: فهل يتأذى أو يبالي أو يضره بوجه من الوجوه في هذه الحال أن لا ينال اللذات؟ فإذا قال لا - وكذلك يقول لأنه إن لم يقل ذلك لزمه أن يكون حياً في حال موته، إذ الأذى إنما يلحق الحيَّ دون الميت - قيل له: فليس يضره أن لا ينال اللذات. وإذا كان ذلك كذلك فقد رجع الأمر إلى أن حالة الموت هي الأصلح، لأن الشيء الذي حسبت