وإذا كان ذلك كذلك فإنه ليس يتصورها مقصودة مطلوبة إلا الجاهل بها، لأن المستريح من الأذى غني عن الراحة التي متى أعقبته سميت لذة. وأيضا فإنه وإن كان الاغتنام بما لا بد منه ومن وقوعه فضلا كما بينا قبل وكان الموت مما لا بد منه ومن وقوعه فإن الاغتنام بالخوف منه فضل والتلهي عنه والتناسي له ربح وغنم. ومن أجل ذلك صرنا نغبط البهائم في هذا المعنى إذ لها بالطبع هذه الحالة كملا التي ليس نقدر نحن عليها إلا بالحيلة لاطراح الفكر والتصور العقلي. وكأن ذلك من أنفع الأمور في هذا الموضع إذ كان يجلب من الألم أضعاف أضعاف المنتظر. وذلك أن المتصور للموت الخائف منه يموت في كل تصويره موتة، فتجتمع عليه من تصوره له مدة طويلة موتات كثيرة. فالأجود إذا والأعود على النفس التلطف والاحتيال لإخراج هذا الغم عنها. وذلك يكون كما قيل قبيل إن العاقل لا يغتم بتّة. وذلك أنه إذا كان لما يغتم به سبب يمكنه دفعه جعل مكان الغم فكرا في دفع السبب، وإن كان مما لا يمكن دفعه أخذ على المكان في التلهي والتسلي عنه وعمل في محوه وإخراجه عن نفسه. وأيضا فإني أقول: إني قد بينت أنه ليس للخوف من الموت على رأى من لم يجعل للإنسان حالة وعاقبة يصير إليها بعد موته وجه. وأقول إنه يجب أيضا في الرأي الآخر - وهو الرأي الذي يجعل لمن مات حالة وعاقبة يصير إليها بعد الموت - أن لا يخاف من الموت الإنسان الخير الفاضل المكمل لأداء