وإصلاح أمر بدنه، وأمّا في وقت صحّة بدنه فإيناسه والمشورة عليه - يعلم الله ذلك منيّ - بجميع ما رجوت به عائدة صلاح عليه وعلى رعيته. ولا ظهر مني على شره في جمع مال أسرف فيه ولا على منازعات الناس ومخاصماتهم وظلمهم، بل المعلوم مني ضد ذلك كله والتجافي عن كثير من حقوقي. وأما حالتي في مطعمي ومشربي ولهوي فقد يعلم من يُكثر مشاهدة ذلك مني أنّي لم أَتَعَدَّ إلى الإفراط، وكذلك في سائر أحوالي مما يشاهده هذا من ملبس أو مركوب أو خادم أو جارية. فأما محبتي للعلم وحرصي عليه واجتهادي فيه فمعلوم عند من صحبني وشاهد ذلك مني أني لم أزل منذ حداثتي وإلى وقتي هذا مُكباً عليه حتى إني متى اتفق لي كتاب لم أقرأه أو رجل لم ألقه لم ألتفت إلى شُغل بتّةً - ولو كان في ذلك على عظيم ضرر - دون أن آتي على الكتاب وأعرف ما عند الرجل. وإنه بلغ من صبري واجتهادي أنّي كتبت بمثل خط التعاويذ في عام واحد أكثر من عشرين ألف ورقة. وبقيت في عمل الجامع الكبير خمس عشرة سنة أعمله الليل والنهار حتى ضعف بصري وحدث عليّ فسخ في عضل يدي يمنعاني في وقتي هذا عن القراءة والكتابة، وأنا على حالي لا أدعهما بمقدار جهدي وأستعين دائماً بمن يقرأ ويكتب لي فإن كان المقدار الذي أنا عليه من هذه الأمور عند هؤلاء القوم يحطَّني عن رتبة الفلسفة في العمل وكان الغرض من حذو سيرة الفلسفة عندهم غير ما وصفنا فليثبتوه لنا مشاهدةً أو مكاتبة لنقبله منهم إن جاءوا بفضل علم، أو نردّه عليهم أن أثبتنا فيه موضع خطأ أو نقص. وهب أني قد تساهلت عليهم وأقررت بالتقصير في الجزء العملي، فما عسى أن يقولوا في الجزء العلمي؟ فإن كانوا