القرطبي. معظم ما يذكره ابن بشرون في المختار من الأندلسيين يرويه عنه ويذكر أنه لقيه في مدينة صقلية وقد صنف لمتملكها رجار الإفرنجي في مسالك الأرض وممالكها كتاباً كبيراً سماه نزهة المشتاق في مخترق الآفاق، ثم ألّف بعده لولده غليوم صاحب صقلية كتاباً في المعنى أكبر منه سماه روض الأنس ونزهة النفس. ووصف ابن بشرون بتوليد المعاني في الشعر وتجويدها، وتوطيد المباني في السحر وتشييدها، لا سيما في توشية التوشيح، وتوشيع نظمه المليح، فإنّه حاذق زمانه، وسابق ميدانه، وهو قريب في عصرنا هذا. وقد أورد من شعره ما يروع ويروق، ويضوع ويفوق، ويطرب ويشوق، ويحسد عقوده وسعوده العقيان والعيوق، ويصف مزجه ووهجه الرحيق والحريق. فمن ذلك قوله:
وزائر زار في الظلماء إذ هجعت ... عين الرقيب ولم يشعر بنا بشر
فقلت أهلاً وسهلاً قال من دهش ... دعني من القول إنّي خائف حذر
فقلت لا خوف إن الحي قد رقدوا ... والليل محلولك الأرجاء معتكر
ثم اعتنقنا كغصني بانة وفمي ... بين الترائب أشكو وهو معتذر
حتى إذا نمّ واشي الفجر قام وقد ... خاف الفضيحة مغتاظاً له ضجر
وقال لما اعتنقنا للوداع وقد ... رأى التياعي ودمعي مسبل همر