ووقفت فاسقصيت أنك واحد ... وجدوا صلاح الكل في توفيقه
وما حرك الحاجب أعزّه الله سكناً، ولا نبّه بقصده نائماً، وقد طلعت الشمس التي صار بها الغرب شرقاً، وهبت الريح التي عاد بها الحرمان رزقاً، لواء المجد، فارس العقد، يسير صدر الجيش وهو ربه، ويتقلب فيه وهو قلبه:
بكلّ خميس بعيد المدى ... يضيق بمذهبه المذهب
ثقيل الخطى قاده أدهم ... ولكنّه بالظّبَى أشهب
كأنّ الحديد على متنه ... لجين بشمس الضّحى مذهب
مياه ترَقْرَقَ رَجْراجُها ... وللنقع من فوقها طحلب
يسِحُّ به للندى حاجب ... إذا جاءه الضيف لا يحجب
تهزّ به الخيل أعطافها ... إذا مرّ من فوقه الموكب
عفاها السرور به كأسه ... فظلّت على ودّه تشرب
وقالت: أفي الحق لو أنّني ... أرى مثل هذا ولا أطرب
كلما لاح بارق ارْتحتُ إليه، أو ذر شارق سلّمت من البعد عليه، فإذا بدت النجوم توهمت همته، وإن نهجت الغيوم تذكرت موهبته ولا أسمع العربية إلا قلت إنه من كلماته، ولا رأيت النّجيبة إلا تيقنت أنها من فعلاته، ولا أحل الرياض إلا وأحسبها شمائله، ولا أرِدُ البحار إلا وخلتها نوافله، وفي ذلك أقول:
وما شبهوا بالبحر كفّيه في الندى ... ولكنها إحدى أنامله العشر
يدان إذا أوما بها اشتاق ضارب ... وحنّ سنان وانبرى سارب يجري
وأظهرت الأيام نخوة قده ... تزيد بحسن الذكر كبراً على كبر
أمنت به من كل شر أخافه ... من الدهر حتى نمت في مقلة الدهر