للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رَآهُمَا الرَّجُلُ عَرَفَ أَنَّهُمْ قَدْ نَذِرُوا بِهِ فَهَرَبَ، فَلَمَّا رَأَى الْمُهَاجِرِيُّ مَا بِالْأَنْصَارِيِّ مِنَ الدَّمِ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، أَفَلَا أَيْقَظْتَنِي أَوَّلَ مَا رَمَاكَ؟ قَالَ: كُنْتُ فِي سُورَةٍ أَقْرَؤُهَا فَلَمْ أُحِبَّ أَنْ أَقْطَعَهَا حَتَّى أُنْفِذَهَا، فَلَمَّا تَابَعَ عَلَيَّ الرَّمْيَ رَكَعْتُ فَآذَنْتُكَ، وَايْمُ اللَّهِ لَوْلَا أَنْ أُضَيِّعَ ثَغْرًا أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحِفْظِهِ لَقَطَعَ نَفْسِي قَبْلَ أَنْ أَقْطَعَهَا أَوْ أُنْفِذَهَا " وَبَلَغَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ: عَبَّادٌ، كَانَ يَلْزَمُهُ وَكَانَ امْرَأً صَالِحًا أَنَّهُ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَيَقْرِنُ بَيْنَ السُّوَرِ فِي الرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ: يَا خَائِنَ أَمَانَتَهُ، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى عَبَّادٍ وَقَالَ: غَفَرَ اللَّهُ لَكَ، أَيُّ أَمَانَةٍ بَلَغَكَ خُنْتُهَا؟ قَالَ: أُخْبِرْتُ أَنَّكَ تَجْمَعُ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ فِي الرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ، فَقَالَ: إِنِّي لَأَفْعَلُ ذَلِكَ، فَقَالَ: «كَيْفَ بِكَ يَوْمَ تَأْخُذُكَ كُلُّ سُورَةٍ بِرَكْعَتِهَا وَسَجْدَتِهَا؟ أَمَا إِنِّي لَمْ أَقُلْ لَكَ إِلَّا مَا قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَالَّذِي عَلَيْهِ أَمَرَ النَّاسَ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ السُّوَرِ فِي الرَّكْعَةِ حَسَنٌ غَيْرُ مَكْرُوهٍ، وَهَذَا الَّذِي فَعَلَهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَتَمِيمٌ الدَّارِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَغَيْرُهُمَا، هُوَ مِنْ وَرَاءِ كُلِّ جَمْعٍ إِلَّا أَنَّ الَّذِيَ اخْتَارَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ لَا يَقْرَأَ الْقُرْآنَ فِي أَقَلِّ مِنْ ثَلَاثٍ لِلْأَحَادِيثِ الَّتِي رُوِيَتْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ مِنَ الْكَرَاهَةِ لِذَلِكَ " وَذُكِرَ عَنْ يُحْيِي الْقَطَّانِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ يُخَافِتُ، وَمَرَّ بِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ يَجْهَرُ، وَمَرَّ بِبِلَالٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ يَقْرَأُ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ، وَمِنْ هَذِهِ السُّورَةِ، فَقَالَ لِأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «مَرَرْتُ بِكَ وَأَنْتَ تُخَافِتُ»، فَقَالَ: إِنِّي أُسْمِعُ مَنْ أُنَاجِي، فَقَالَ: «ارْفَعْ مِنْ صَوْتِكَ شَيْئًا»، وَقَالَ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «مَرَرْتُ بِكَ وَأَنْتَ تَجْهَرُ»، فَقَالَ: أَطْرُدُ الشَّيْطَانَ وَأُوقِظُ الْوَسْنَانَ، فَقَالَ: «اخْفِضْ شَيْئًا»، وَقَالَ لِبِلَالٍ: «مَرَرْتُ بِكَ وَأَنْتَ تَقْرَأُ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ، وَمَنْ هَذِهِ السُّورَةِ»، فَقَالَ: أَخْلِطُ الطَّيِّبَ بِالطَّيِّبِ، فَقَالَ: «اقْرَأِ السُّورَةَ عَلَى وَجْهِهَا» وَفِي رِوَايَةٍ: قَالَ لِبِلَالٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «إِذَا قَرَأْتَ السُّورَةَ فَأَنْفِدْهَا» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: " فَالْأَمْرُ عِنْدَنَا عَلَى الْكَرَاهَةِ لِقِرَاءَةِ الْآيَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ كَمَا أَنْكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بِلَالٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَكَمَا اعْتَذَرَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ مِنْ فِعْلِهِ، وَكَرَاهَةُ ابْنُ سِيرِينَ لَهُ، قَالَ: وَذَلِكَ أَثْبَتُ عِنْدِي لَأَنَّهُ أَشْبَهُ بِفِعْلِ الْعُلَمَاءِ "

<<  <   >  >>