للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، ثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، ثنا حُيَيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَعَافِرِيُّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " الْقُرْآنُ وَالصِّيَامُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ، يَقُولُ الْقُرْآنُ: رَبِّ مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ الصِّيَامُ: رَبِّ إِنِّي مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، فَيُشَفَّعَانِ " وَعَنِ الْحَسَنِ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ: قُرَّاءُ الْقُرْآنِ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ: صِنْفٌ اتَّخَذُوهُ بِضَاعَةً. وَصِنْفٌ أَقَامُوا حُرُوفَهُ، وَضَيَّعُوا حُدُودَهُ، وَاسْتَطَالُوا بِهِ عَلَى أَهْلِ بِلَادِهِمْ، وَاسْتَدَرُّوا بِهِ الْوُلَاةَ، وَقَدْ كَثُرَ هَذَا الضَّرْبُ مِنْ حَمَلَةِ الْقُرْآنِ لَا كَثَّرَهُمُ اللَّهُ. وَصِنْفٌ عَمَدُوا إِلَى دَوَاءِ الْقُرْآنِ فَوَضَعُوهُ عَلَى دَاءِ قُلُوبِهِمْ فَاسْتَشْعَرُوا الْخَوْفَ وَرَكَدُوا فِي مَحَارِسِهِمْ وَخَبُّوا فِي بَرَانِسِهِمْ فَأُولَئِكَ اللَّهُ يَنْصُرُ بِهِمْ عَلَى الْأَعْدَاءِ وَيَسْقِي بِهِمُ الْغَيْثَ فَوَاللَّهِ لَهَذَا مِنْ حَمَلَةِ الْقُرْآنِ أَقَلُّ مِنَ الْكِبْرِيتِ الْأَحْمَرِ. قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ أَقْوَامًا وَصَحِبْتُ طَوَائِفَ مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْرَحُونَ بِشَيْءٍ مِنَ الدُّنْيَا أَقْبَلَ وَلَا يَأْسَفُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا أَدْبَرَ. وَلَهِيَ أَهْوَنُ فِي أَعْيُنِهِمْ مِنْ هَذَا التُّرَابِ. كَانَ أَحَدُهُمْ يَعِيشُ خَمْسِينَ أَوْ سِتِّينَ سَنَةً لَمْ يُطْوَ لَهُ ثَوْبٌ، وَلَمْ يُنْصَبَ لَهُ قِدْرٌ وَلَا جَعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَرْضِ شَيْئًا ⦗٤٧⦘ قَطُّ، وَلَا أَمَرَ فِي بَيْتِهِ بِصَنْعَةِ طَعَامٍ قَطُّ. فَإِذَا كَانَ اللَّيْلُ فَقِيَامٌ عَلَى أَطْرَافِهِمْ يَفْتَرِشُونَ وُجُوهَهُمْ تَجْرِي دُمُوعُهُمْ عَلَى خُدُودِهِمْ يُنَاجُونَ رَبَّهُمْ فِي فِكَاكِ رِقَابِهِمْ، كَانُوا إِذَا عَمِلُوا الْحَسَنَةَ ذَابُوا فِي شُكْرِهَا وَسَأَلُوا اللَّهَ أَنْ يَقْبَلَهَا، وَإِذَا عَمِلُوا السَّيِّئَةَ أَحْزَنَتْهُمْ وَسَأَلُوا اللَّهَ أَنْ يَغْفِرَهَا. فَمَا زَالُوا كَذَلِكَ وَعَلَى ذَلِكَ، فَوَاللَّهِ مَا سَلِمُوا مِنَ الذُّنُوبِ وَلَا نَجَوْا إِلَّا بِالْمَغْفِرَةِ. وَإِنَّكُمْ أَصْبَحْتُمْ فِي أَجَلٍ مَنْقُوصٍ وَعَمَلٍ مَحْفُوظٍ، وَالْمَوْتُ وَاللَّهِ فِي رِقَابِكُمْ وَالنَّارُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ فَتَوَقَّعُوا قَضَاءَ اللَّهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هِلَالٍ الثَّقَفِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا تَشْهَدُ عَلَيَّ شَمْسٌ بِأَكْلٍ أَبَدًا، وَلَا يَشْهَدُ عَلَيَّ لَيْلٌ بِنَوْمٍ أَبَدًا، فَأَقْسَمَ عَلَيْهِ عُمَرُ فِي الْأَضْحَى وَالْفِطْرِ أَنْ يُفْطِرَهُمَا، وَكَانَ شَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ إِذَا دَخَلَ فِرَاشَهُ كَانَ فِي فِرَاشِهِ بِمَنْزِلَةِ الْقَمْحَةِ فِي الْمِقْلَاةِ عَلَى النَّارِ وَكَانَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنَّ النَّارَ مَنَعَتْ مِنِّي النَّوْمَ، فَيَقُومُ إِلَى الصَّلَاةِ فَيُصَلِّي حَتَّى يُصْبِحَ، وَقَفَلَ أَبُو رَيْحَانَةَ مِنْ غَزْوٍ فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى أَهْلِهِ تَعَشَّى، ثُمَّ قَامَ إِلَى مَسْجِدِهِ، فَلَمْ يَزَلْ قَائِمًا يُصَلِّي حَتَّى أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ. فَلَمَّا سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ شَدَّ عَلَيْهِ ثِيَابَهُ لِيَغْدُو إِلَى الْمَسْجِدِ، فَأَقْبَلْتُ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ فَقَالَتْ: يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ، قَدْ مَكَثْتَ فِي غَزْوَتِكَ مَا مَكَثْتَ ثُمَّ انْصَرَفْتَ، أَمَا كَانَ لَنَا مِنْكَ حَظٌّ أَوْ نَصِيبٌ إِذْ قَدِمْتَ؟ فَقَالَ لَهَا: بَلَى، وَاللَّهِ لَقَدْ كَانَ لَكِ حَظٌّ، وَلَوْ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لَانْصَرَفْتُ إِلَيْكِ وَلَكِنْ لَمْ تَخْطُرِي لِي عَلَى بَالٍ. فَقَالَتْ: مَا الَّذِي شَغَلَكَ عَنِّي؟ قَالَ: لَمْ يَزَلْ قَلْبِي فِيمَا وَصَفَ اللَّهُ فِي جَنَّتِهِ مِنْ نَعِيمِهَا وَأَرْوَاحِهَا وَكَرَامَاتِهَا فَلَوْ خَطَرْتِ لِي عَلَى بَالٍ لَانْصَرَفْتُ إِلَيْكِ وَلَوْ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لَفَعَلْتُ، وَكَانَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مِهْرَاسٌ فِيهِ مَاءٌ فَيُصَلِّي مَا قُدِّرَ لَهُ ثُمَّ يَصِيرُ إِلَى الْفِرَاشِ فَيَغْفَى إِغْفَاءَ الطَّيْرِ ثُمَّ يَقُومُ فَيَتَوَضَّأُ فَيُصَلِّي، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى فِرَاشِهِ، فَيَغْفَى إِغْفَاءَ الطَّيْرِ ثُمَّ يَقُومُ فَيَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي، ثُمَّ يَرْجِعُ ثُمَّ يَثِبُ فَيَتَوَضَّأُ فَيُصَلِّي. يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي اللَّيْلَةِ أَرْبَعَ مِرَارًا أَوْ خَمْسًا، وَعَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إِلَّا قَلِيلًا، ⦗٤٨⦘ وَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ لَا يَنَامُ بِاللَّيْلِ، وَكَانَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فِي لَيْلَةٍ، وَكَانَ يُحْيِي الدَّهْرَ أَجْمَعَ فَكَانَ يُحْيِي لَيْلَةً قَائِمًا حَتَّى يُصْبِحَ، وَلَيْلَةً يُحْيِيهَا رَاكِعًا حَتَّى الصَّبَاحِ، وَلَيْلَةً يُحْيِيهَا سَاجِدًا حَتَّى الصَّبَاحِ

<<  <   >  >>