أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ: لَيْسَ لَهُمْ بَصَرٌ بشَيْءٍ مِنَ الْحَدِيثِ، مَا هُوَ إِلَّا الْجُرْأَةُ " قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ: فَاحْتَجَّ لَهُ بَعْضُ مَنْ يَتَعَصَّبُ لَهُ لِيُمَوِّهَ عَلَى أَهْلِ الْغَبَاوَةِ وَالْجَهْلِ بِالْخَبَرِ الَّذِي ذَكَرْنَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ زَادَكُمْ صَلَاةً، وَهِيَ الْوِتْرُ» فَزَعَمَ أَنَّ قَوْلَهُ: «زَادَكُمْ صَلَاةً» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ فَرِيضَةٌ. فَيُقَالَ لَهُ: هَذَا حَدِيثٌ لَا يُثْبِتُهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْأَخْبَارِ، وَلَوْ ثَبَتَ مَا كَانَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى مَا ادَّعَيْتَ، وَذَلِكَ أَنَّ الصَّلَاةَ أَنْوَاعٌ، مِنْهَا فَرِيضَةٌ مَكْتُوبَةٌ مُؤَكَّدَةٌ، وَهِيَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَى ذَلِكَ، وَمِنْهَا سُنَّةٌ لَيْسَتْ بِفَرِيضَةٍ، وَلَكِنَّهَا نَافِلَةٌ مَأْمُورٌ بِهَا، مُرَغَّبٌ فِيهَا، يُسْتَحَبُّ الْمُدَاوَمَةُ عَلَيْهَا، وَيُكْرَهُ تَرْكُهَا، مِنْهَا الْوِتْرُ وَرَكْعَتَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَمِنْهَا نَافِلَةٌ مُسْتَحَبَّةٌ وَلَيْسَتْ بِسُنَّةٍ، وَلَكِنَّهَا تَطَوُّعٌ، مَنْ عَمِلَ بِهَا أُثِيبَ عَلَيْهَا، وَمَنْ تَرَكَهَا لَمْ يُكْرَهْ لَهُ تَرْكُهَا، فَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ زَادَكُمْ صَلَاةً»، وَ «إِنَّ اللَّهَ أَمَدَّكُمْ بِصَلَاةٍ» إِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْهُ، فَإِنَّمَا يَعْنِي: زَادَكُمْ وَأَمَدَّكُمْ بِصَلَاةٍ هِيَ سُنَّةٌ مِنْ سُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ مَفْرُوضَةٍ وَلَا مَكْتُوبَةٍ. وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا قُلْنَا الْأَخْبَارُ الثَّابِتَةُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ الْمُوَظَّفَاتِ عَلَى الْعِبَادِ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ هِيَ خَمْسُ صَلَوَاتٍ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَتَطَوُّعٌ، ثُمَّ اتِّفَاقُ الْأُمَّةِ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ هِيَ خَمْسٌ لَا أَكْثَرُ. وَدَلِيلٌ آخِرٌ، وَهُوَ وِتْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَلَاثٍ، وَبِخَمْسٍ، وَسَبْعٍ، وَأَكْثَرِ مِنْ ذَلِكَ، فَلَوْ كَانَ الْوِتْرُ فَرْضًا لَكَانَ مُوَقَّتًا مَعْرُوفًا عَدَدُهُ، لَا يَجُوزُ أَنْ يُزَادَ فِيهِ وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُ، كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ الْمَفْرُوضَاتِ، وَأَحَادِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ أَوْتَرُوا وِتْرًا مُخْتَلِفًا فِي الْعَدَدِ، وَكَرِهَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ الْوِتْرَ بِثَلَاثٍ بِلَا تَسْلِيمٍ فِي الرَّكْعَتَيْنِ كَرَاهَةَ أَنْ يُشَبِّهُوا التَّطَوُّعَ بِالْفَرِيضَةِ. وَدَلِيلٌ ثَالِثٌ: وَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْتَرَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، قَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْهُ، وَفَعَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute