وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لَا وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ» قَالُوا: وَأَمَّا رِوَايَةُ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا»، فَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الرَّجُلِ يُرِيدُ أَنْ يُصَلِّيَ مِنَ اللَّيْلِ، فَالسُّنَّةُ أَنْ يُصَلِّيَ مَثْنَى مَثْنَى، ثُمَّ يُوتِرَ آخِرَ صَلَاتِهِ، فَإِذَا هُوَ فَعَلَ ذَلِكَ وَنَامَ، ثُمَّ قَامَ فَبَدَا لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فَلَيْسَ فِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ هَذَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُوتِرَ مَرَّةً أُخْرَى؛ لِأَنَّهُ قَدْ قَضَى وِتْرَهُ مَرَّةً، وَلَيْسَ مِنَ السُّنَّةِ أَنْ يُوتَرَ فِي لَيْلَةٍ مَرَّتَيْنِ وَلَا ثَلَاثًا، وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ أَنَّهُ قَالَ: «لَا وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ» أَوْلَى أَنْ يُحْتَجَّ بِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ،. وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا قُلْنَا أَنَّ ابْنَ عُمَرَ هُوَ الرَّاوِي لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا» وَقَدْ كَانَ يَشْفَعُ وِتْرَهُ، فَلَمَّا سُئِلَ عَنْ حُجَّتِهِ فِي فِعْلِهِ لَمْ يَحْتَجَّ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ وِتْرًا» بَلْ قَالَ: إِنَّمَا هُوَ فِعْلٌ أَفْعَلُهُ بِرَأْيِي. فَلَوْ رَأَى فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا» حُجَّةً لِفِعْلِهِ لَاحْتَجَّ بِهِ، وَقَالَ: إِنَّمَا أَفْعَلُهُ اتِّبَاعًا لِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَقُلْ: إِنَّمَا أَفْعَلُهُ بِرَأْيِي عَنْ مَسْرُوقٍ، سَأَلْتُ ابْنُ عُمَرَ، عَنْ تَقْضِيَةِ الْوِتْرِ، فَقَالَ: «إِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ أَفْعَلُهُ بِرَأْيِي لَا رِوَايَةَ عَنْ أَحَدٍ» وَعَنْ عَطَاءٍ،: ذَلِكَ الَّذِي يُوتِرُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَعَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ «رَأَيْتُ، مِنَ الرَّأْيِ وَلَسْتُ أَرْوِيهِ عَنْ أَحَدٍ، أَنِّي أُوتِرُ أَوَّلَ اللَّيْلِ، فَإِنْ قُمْتُ وَعَلَيَّ سَوَادٌ شَفَعْتُ إِلَيْهَا بِرَكْعَةٍ، ثُمَّ أَوْتَرْتُ آخِرَ اللَّيْلِ» فَقَالَ مَسْرُوقٌ: كَانَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللَّهِ يَتَعَجَّبُونَ مِنْ صَنِيعِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute